الخائن لن يفقدنا الثقة بالوفاء، والكذاب لن يجعلنا ننصب المشانق للصدق، والسيئون لن يدفعونا لأن نضع الخير في سلة المهملات، واللصوص مهما ازداد حجم كروشهم وتورَّمت أوداجهم فلن يحرضونا على اتخاذ قرار بوضع القيود في أيدي الأمانة وجرّها إلى أكبر سعير لمحرقة.

نعم قد ينجو الأشرار بفعلتهم إلى حين، أو ربما إلى يوم الدين، لكن ذلك لن يجعلنا نراجع إيماننا باتباع الصواب، حتى وإن تراءى لنا أن الباطل في مأمن، ولن يغري طريقه السهل خُطانا، حتى وإن أدمت أقدامنا وعورة طريق الحق. نعم قد يستغل السيئون حُسن نوايانا، ليمارسوا ضدنا سوء نواياهم، وقد يتركوا نتيجة ذلك جرحاً في حياتنا يعز علينا أن نجد ضماداً له مع الزمن، إلا أن ذلك يجعلنا نرى بشاعتهم عن قرب، وأن نراها رؤية القلب، وما تسببه من ألم لإنسان آخر. إن أذاهم لو طالنا يؤكد يقيننا بمدى قبح الشر وخساسة فاعله، ما يدفعنا أكثر إلى الحرص على التمسك أكثر بجمالنا، حتى لا نكون نسخة منهم، وأن نلتزم بنقائنا، حتى لا نصبح مراياهم، فحتى المرايا التي تحمل ولو ظل وجوههم تكتسيها العتمة. قد يتباهون بخديعتهم لنا، فيما نتباهى نحن بأننا لم نضمر الخبث في صدورنا، ولم نسوّر حدائق قلوبنا بالشراك والفخاخ المغطاة بالعشب الأخضر، ليقع فيها كل من يسير واثق الخُطى باتجاه أماننا.

Ad

قد يفتخرون بأنهم نالوا حينما صدقناهم، فيما نفخر نحن بأننا من الصادقين الصديقين، يفرحون بخناجرهم المخبأة خلف ظهورهم، ونبتهج نحن بورودنا التي تنبت في أكفّنا بفعل الطبيعة، كلما اتضحت لنا دناءتهم، ازدان أكثر في أعيننا نُبلنا. إنهم في الواقع يسدون لنا صنيعاً دون قصدٍ منهم، إنهم يعززون إنسانيتنا فينا حين نكتشف رعب وجوهم الشيطانية بعد سقوط الأقنعة التي سترت ملامحهم القميئة، ويجعلونا نلتزم بالعهد بألا نكون شوكة دامية في حياة أحدهم، بعد أن تيقنا من كم الكُره الذي يولده الشوك في قلب من أدماه. لا نريد حتما أن نكون هم، ولا نرتجي مقاسمتهم نعيمهم الموبوء، ولا الحصول على قطعة من الحجر اللامع على تيجانهم. لا نريد شيئا من جواهرهم المزيفة، كل ما نريده فقط، هو أن نبقي على جوهرنا الثمين داخل خزنة إنسانيتنا، وأن نبقى محبين ومحبوبين، وأن يطمئن أحبابنا لنا، وأن نبقى محل ثقة لمن يأمننا، وصادقين مع من يصدقون معنا، وأوفياء لمن استأمنونا، وأن نكون حافظين للجميل، ولو كان بمثقال كلمة طيبة قيلت لنا، وأن تحظى أرواحنا بالسكينة والسلام في حياتنا وبعد مماتنا.

أما السيئون، فليهنأوا بسوئهم، فجنتهم ليست أحد مطامحنا في الحياة.