من الصعوبة بمكان عرض قرابة الخمسين صفحة الباقية من الفصل الأول، من كتاب د. عمر أبا الخيل الدوسري، "المسألة الاجتماعية في الكويت"، بعد أن امتدت حلقات المقال، رغم أهمية الفترة ما بين 1950 و1990 التي تشكلت فيها الكويت المعاصرة، وبرزت قواها السياسية والثقافية والاجتماعية، وتشكلت كذلك شرائحها وطبقاتها، كما يعرضها هذا الفصل، وقد نكتفي بإشارات مختصرة آملين أن تكون مشجعة للقراء لأن يقتنوا الكتاب.

يبدو الباحث في هذا الفصل متأثراً بجو الصراعات السياسية في الكويت والتقسيمات المتداولة في الصحافة، فهو ينظر إلى الشيعة والقبائل مصنفاً إياها كتيارات سياسية مماثلة للإخوان والسلف، رغم الاختلاف الموضوعي بين حركة سياسية كالإخوان والسلف، ذات أهداف واسعة تمتد كذلك خارج الكويت، وتحرك محدود الأفق لطائفة في بلد ما، كالشيعة في الكويت، أو مجموعة سكانية تنتمي إلى قبائل عديدة تتحرك نخبتها لتحقيق مطالب لا تشبه مطالب الإخوان والسلف.

Ad

وقد حاولت القوى الشيعية والقبلية الاستفادة من سياسات التكتل والتنظيم والمناورات البرلمانية والتحرك الطلابي، ودخل الكثير من أبناء القبائل الإخوان والسلف وحققوا مكاسب عديدة، وخرج بعضهم كالحضر منها، ولكن القبيلة لم تسيطر على أي منهما رغم نجاحها في تقسيم الحركة السلفية، أما الشيعة فقد عمدوا إلى تأسيس جماعات وتيارات مستقلة غالباً ضمن الأطر السياسية المؤيدة من الوسط الشيعي.

ومن الواضح أن كلاً من الشيعة والقبائل لها مطالب معينة تجعلها تجنح باستمرار نحو الانفراد وإعطاء الأولوية في التحرك لهذه المطالب المعروفة والمتعلقة غالباً بتحسين الأحوال المعيشية والارتقاء الوظيفي وتوفير الخدمات والدفاع عن القبيلة أو الطائفة.

يقول د. الدوسري عن المكون الشيعي في المجتمع الكويتي: "يشكل الشيعة ما يتراوح بين 15% و20% من الشعب الكويتي، ويتركز معظمهم في المناطق الداخلية من دولة الكويت، وهم من أصول مختلفة، فهناك الحساوي الذين ينحدرون من الجزيرة العربية من منطقة الإحساء في شرق المملكة العربية السعودية، وهناك البحارنة الذين هاجروا من البحرين، كما أن هناك الشيعة ذوي الأصول الإيرانية ويطلق عليهم العجم، وقد استقر العديد من التجار الفرس والعراقيين والبحارنة في الكويت منذ فترة طويلة".

وعن نشاطهم السياسي يقول: "وقبل استقلال الكويت وانطلاق الحياة البرلمانية غاب الشيعة عن المشاركات السياسية في البلاد، فهم وأبناء القبائل والكثير من الحضر استبعدوا ترشيحاً وانتخاباً من المشاركة في مجلس الشورى الأول عام 1921م، والمجلس البلدي عام 1932م، ومجلس المعارف عام 1936م، كما استبعدوا من مجلسي 1938م و1939م اللذين حصرت عضويتهما في بعض العائلات وبالأخص أبناء التجار والوجهاء.

لكن بعد الاستقلال بدأ الشيعة في تنظيم صفوفهم من خلال جمعيات ذات طابع اجتماعي مع اهتمام كبير بالشؤون السياسية".

ولا مجال لمناقشة هذه التفاصيل، إذ نترك ذلك لمن يحب أن يعلق أو يناقش أو يضيف.

وعن تطور الوضع القبلي في الكويت خلال العهد العثماني يقول إن "الباب العالي" لم يكن يهتم اهتماما كبيراً "ببلدة صغيرة فقيرة محاطة بصحارى شاسعة تمثل القبيلة فيها محاور النظام الاجتماعي، وكانت حدود السلطة فيها لا تتجاوز أسوار المدينة، وكان سكان صحرائها في الأصل هي القبائل العربية". ويشير د. الدوسري إلى نقطة بالغة الأهمية! حيث يذكر "لوريمر" أن "حدود إمارة الكويت في معظم أجزائها متغيرة وغير محدودة، فهذه الحدود في وقت ما، هي حدود القبائل التي تدين بالولاء في ذلك الوقت لشيخ الكويت"، ومما يؤكد أهمية دور القبيلة، في حفظ كيان الكويت واتساعه، يقول د. الدوسري ما جاء في أسباب الاعتراف البريطاني بملكية الكويت لجزيرة وربة وبوبيان سنة 1908 لأنها "كانت مأهولة من قبائل العوازم فقط دون غيرهم الذين مارسوا ولأجيال حقوق الصيد فيها"، ويقول د. الدوسري إن الشيخ مبارك كان يخاطب والي البصرة باسم "حاكم الكويت ورئيس قبائلها"، ليتسنى له مد نفوذه بحسب امتداد نفوذ القبائل في الصحراء.

وعن أسماء القبائل يقول: "ومن القبائل الموجودة في صحراء الكويت منذ القدم- كما ذكر "لوريمر" و"كيلي"- العوازم والرشايدة والعجمان وبنو خالد والدواسر وعنزة وشمر والظفير. وتقطن الظفير الجزء الشمالي من صحراء الكويت، كما يقطن في الجزء الجنوبي من الكويت العجمان وبنو هاجر وبنو خالد". وعن أعدادهم كما يوردها لوريمر يقول: "يمثل أبناء قبائل الكويت من جملة السكان ما يعادل 13 ألف نسمة من العوازم والرشايدة ومطير، هذا عدا الرحل منهم، وعدا من يسكن منهم داخل أسوار المدينة، وعدا القبائل الأخرى". أما "جان جاك بيربي" فيقول "إن القسم الأكبر من مساحة الكويت صحراء يقطنها فيما مضى ما بين عشر وعشرين ألفاً من أبناء القبائل".

ما دلالة هذه الأرقام للباحث د. الدوسري، وكذلك لباحث آخر هو د. حاكم المطيري، يشير إليه في الكتاب؟

يقول الكاتبان: "وهذه الأرقام لنسبة سكان القبائل في الكويت- سواء في المدينة أو في الصحراء المجاورة لها- تعادل أكثر من ثلثي عدد سكانها، وهذا في عهد الشيخ مبارك، وهي النسبة ذاتها إلى اليوم، وليس كما يشاع في الثقافة الزائفة اليوم بأن الوجود القبلي في الكويت وجود طارئ دخيل، وأنه تغير ديمغرافي في تركيبة السكان بعد استخراج النفط، إنما الحقيقة هي تجاوز الكويت المدينة لحدود أسوارها، بعد المعاهدة البريطانية، لتضم أراضي القبائل العربية الممتدة في صحرائها منذ وجد العرب في جزيرتهم، لتبدأ إشكالية الكويت "المدينة"، والكويت "الدولة"! ويستعين د. الدوسري بباحث آخر، د. عبدالمالك التميمي لشرح طبيعة التطورات اللاحقة فيقول: "ومع اكتشاف النفط وبداية التغيير الكبير في الكويت، بدأت عملية اكتشاف القبائل التي فصلتها عن المدينة تلك الصحراء الشاسعة، حيث كانت القبائل تحيا قبل نشوء الدولة في أرضها ضمن استقلالها الخاص، والقبيلة عقلية وسلوكا طبعت مجتمعنا عبر آلاف السنين ولا تزال، ومع قيام الدولة الحديثة وتحديد الدولة بدأت مرحلة تاريخية جديدة للقبيلة، حيث مكنت العائدات النفطية الحكومة من إيجاد التمويل لكل مشاريع توطين قبائل الكويت".

وعن آثار توطين ودمج القبائل في بنية الدولة ومؤسسات ما بعد النفط يضيف: "وقد تعرضت القبائل لتطورات مهمة في بنيتها وكيانها وعلاقتها بالدولة، وتحول أغلبها من الصحراء إلى المدينة، بيد أن ذلك لا يعني ذوبان القبيلة في المجتمع الحضري، أو انتهاء القبيلة، حيث لا تزال القبيلة في الحقيقة كيانا له تأثيره في هذه المجتمعات، كما لا تزال القبيلة مؤثرة في الواقع الاجتماعي والسياسي للكويت".

كيف تطور النشاط القبلي خلال السبعينيات، حيث يعالج الباحث هذا التطور تحت عنوان "أبناء القبائل، القوة النائمة"، ويتحدث عن دور الإسلاميين الشيعة باعتبارهم "القوة المؤيدة للحكومة"! ذلك ما سنعرضه في المقام القادم.