لا تقتصر مصاعب دول الخليج النفطية على مجرد تراجع أسعار البترول عالميا منذ يونيو 2014 وانعكاساته السلبية على الايرادات العامة وعجوزات الميزانية والتوجه لاحقاً الى سوق الديون على المديين القصير والمتوسط، لكن يبرز تحدٍّ أكثر ديمومة على المدى الطويل يتعلق بتراجع أهمية النفط عالمياً، بصورة ربما لم تمر سابقاً على أسواق النفط.فرغم اتفاق منتجي النفط من منظمة أوبك وخارجها على خفض الإنتاج بدءا من يناير الماضي بـ 1.8 مليون برميل يوميا بما يوازي 72 في المئة من اجمالي الفائض المعروض في السوق يوميا، فإن اسعار النفط لا تزال تكافح كي تتماسك كلما تجاوز سعر برميل النفط 50 دولارا، مما يشير الى ان تحديات المنتجين لا تقتصر فقط على خفض الانتاج من عدمه، وان كان هذا الخفض قد امتص جانبا ولو وقتيا من اثر هذه التحديات.
النمو الاقتصادي
يعاني سوق النفط، بشكل لافت، تحديات النمو الاقتصادي العالمي وانعكاساته على الطلب، ورغم وجود بعض التفاؤل لدى صندوق النقد الدولي من امكانية ان يكون عام 2017 افضل من سابقه، بحيث يكون فيه النمو العالمي 3.5 في المئة مقابل 3.1 في المئة للعام الفائت، إلا ان احد اهم اسواق النفط «ابتلاعا» للكميات، وهو الصين، سيتراجع نموه الاقتصادي من مستوى 6.7 في المئة في 2016 إلى 6.6 في المئة في 2017، مع احتمالية تسجيل المزيد من التراجع إلى 6.2 في المئة في عام 2018، مع ان الصين ذاتها كانت تسجل في زمن وفرة الأسعار النفطية مستويات نمو بـ 7.8 في المئة عام 2012 و9 في المئة عام 2009. بل إن نمو دول اسيا ككوريا واليابان من مستهلكي النفط سيتراجع أيضا من 6.6 في المئة لعام 2016 الى 6.2 في المئة لعام 2017، مع استثناء للاقتصاد الهندي الذي يأتي في منزلة متوسطة من استهلاك النفط عالميا، حيث يتوقع نمو اقتصاده من 7.2 في المئة في 2016 الى 7.7 في المئة لعام 2017.تزايد تحدي النمو الاقتصادي سينعكس سلبا على الطلب على النفط من جهة تراجع أعمال المصانع والانتاج، مما يقلل من قيمته عالميا، خصوصا في ظل مخاوف اقتصادية من سياسات انكماشية تسوق لها أحزاب اليمين والمحافظين في أميركا وأوروبا، التي تمثلت في نجاح ترامب بتوجهاته الانكماشية الاقتصادية والسياسية، الى جانب تصويت البريطانيين على البريكست، وبالتالي الخروج من الاتحاد الأوروبي، وانعكاساته السلبية على توقعات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو من 1.7 في المئة لعام 2016 إلى 1.5 في المئة لعام 2017، وتراجع مستويات النمو أيضا في بريطانيا من 1.8 في المئة الى 1.1 في المئة، وأيضا في ألمانيا من 1.7 في المئة الى 1.4 في المئة لنفس الفترة المقارنة.وفرة العرض
الجانب الموازي لتحدي النمو الاقتصادي على قيمة النفط وجاذبيته يتمثل في وفرة المعروض من النفط في السوق وتحديات الإنتاج الاميركي المتصاعد، فضلا عن تنامي انتاج النفوط غير التقليدية.فعلى صعيد الوفرة النفطية نجد ارتفاعا لمنصات الحفر في الولايات المتحدة هذا الاسبوع إلى 703 منصات، مقابل 328 منصة حفر لنفس الفترة من العام الماضي، أي بنسبة نمو بلغت 214 في المئة، مع تعافي الانتاج وزيادته كلما لامست اسعار برنت مستويات 50 دولارا للبرميل، وهو ما يقل بنحو 25 الى 30 في المئة عن متوسطات أسعار التعادل لميزانيات دول الخليج التي تعتمد على النفط، بما لا يقل عن 80 في المئة من ايراداتها.تكنولوجيا «الصخري»
أما على صعيد النفط غير التقليدي فإن التحدي فيه على جاذبية نظيره التقليدي تتمثل في تمكن العديد من الشركات الأميركية من تطوير تقنيات وتكنولوجيا حديثة لخفض كلفة الإنتاج إلى مستويات 40 دولاراً للبرميل في العديد من حقول انتاج النفط الصخري، بعدما كانت تحتاج إلى سعر لا يقل عن 60 دولاراً لتحقيق الأرباح، إذ يشير معهد الاستشارات النرويجية «ريستاد إينيرجي» أن شركات الصخري تعتزم زيادة استثمارها في التنقيب بنحو 15 مليار دولار خلال عام 2017، مع استهداف بلوغ انتاج 6 ملايين برميل يوميا، مقارنة مع الانتاج الحالي الذي يلامس 5 ملايين برميل، مع الأخذ بعين الاعتبار مرونة هذه الشركات في التعامل مع السوق، لأنها مملوكة لمساهمين وليست كالدول مرتبة بالمواطنين.ما العمل؟
الحديث عن تراجع جاذبية النفط لا يقل أهمية عن مخاوف نضوب النفط أو اكتشاف مصدر طاقة بديل أو حتى منافس، والحل هنا يخص دول الخليج أكثر من غيرها، لأنها الأكثر ارتكازا على الايرادات النفطية في مصروفاتها، وبالتالي يجب التعاطي مع الوضع المستجد في الاقتصاديات العالمية وأسواق الطاقة على انه وضع طويل الأمد، مما يتطلب التوجه نحو اصلاحات اقتصادية تتضمن خلق اقتصاد وايرادات بديلة للنفط، خصوصاً مع التوجه القوي لسوق الديون وما يترتب عليه من التزامات متصاعدة، فضلا عن تنامي الانفاق العام نتيجة لصغر معدلات الاعمار في منطقة الخليج، ومن ثم تزايد طلبات الوظائف وتكاليف الخدمات والسلع... وهي التزامات تتطلب التعاطي مع التحديات بمسؤولية اكبر مما دار من خطط عناوينها إصلاحية في المنطقة منذ 3 سنوات على الأقل.