«مستنقع الأفكار»!
فارق كبير بين الفكرة والمعالجة ثم السيناريو لم يدركه صانعو فيلم «عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة». الفكرة البراقة التي يلخصها العنوان الطويل أفسدتها المعالجة السطحية، والسيناريو المترهل، والأداء العشوائي.أراد الفيلم الحديث عن الشباب قليلي الوعي والثقافة، الذين توقعهم الظروف في براثن التنظيمات الإرهابية المتاجرة بالدين، لكن السيناريو الذي كتبه أحمد سعد، وأحمد كامل، وعمرو سكر، ثم الفيلم الذي أخرجه شادي علي، تصدى للقضية الشائكة من دون دراسة أو عمق، وكانت النتيجة أن غلب التسفيه والتسطيح على التجربة التي كانت لتكون واعدة!تحكي الأحداث قصة الثلاثي «بيبو» (أحمد فتحي)، و{هاني» (محمد سلام)، و{سمير» (محمد ثروت). شباب مدعومون بخلفيات اجتماعية واقتصادية متباينة، تدفعهم الظروف إلى السفر إلى لبنان لأسباب مختلفة. ذهب الأول لإيصال «فلاشة» تحمل معلومات مهمة لتنظيم ديني متطرف، فيما تلقى الثاني دعوة لحضور مسابقة ملكات الجمال، بينما سافر الثالث، مع خاله «علي» (بيومى فؤاد) مهرب المخدرات، لإبرام صفقة لشراء كمية من المخدرات، وهي التناقضات في الشخصيات والخلفيات والدوافع التي كادت تفجر عاصفة من الكوميديا، كالسخرية اللاذعة التي يفجرها التناقض بين «بيبو» المسلم المتطرف، و{هاني» المسيحي مُقلم الأظفار، و{سمير» الذي يهوى الموسيقى، ويسجل بعض الأغاني بعد زعمه أنه مهندس صوت. لكن قلة الحيلة، والإبداع الكسيح، والانضباط الغائب، والعجلة في بناء المواقف، ثغرات خطيرة أضاعت على الفيلم أكثر من فرصة ثمينة، وقادته إلى تكرار سقيم لمشاهد رأيناها مراراً وتكراراً سابقاً، مثل تورّط المتطرف «بيبو» في الانضمام إلى تظاهرة تدافع عن حقوق المثليين، ودخول «بيبو» وخاله في منطقة اللاوعي في أعقاب تعاطي أقراص الهلوسة، فضلاً عن الإسقاطات الجنسية، والتورية اللفظية، التي أساءت كثيراً إلى قضية الفيلم ورسالته!
سعى المخرج، والكتّاب الثلاثة، إلى توظيف السخرية اللاذعة، والكوميديا السوداء، فضلاً عن فن «البارودي» (السخرية من الأفلام الكلاسيكية) و{الفارص» (المبالغة الهزلية)، لكن العبث كان سمة التجربة، وبلغ مداه في أعقاب اعتقال الشبان الثلاثة، واقتيادهم إلى المعسكر «الداعشي» لمقابلة «الأمير» (محسن منصور)، حيث تتعدّد أنواع العقاب للمعتقلين، الذين زُج بهم في أقفاص حديد كالقرود، فمنهم من أخطأ أثناء الوضوء، ومن لم يؤد صلاة الجمعة ثلاث مرات، ومن يستمع إلى الموسيقى، بالإضافة إلى الخباصين، والكدابين، والقوادين... ورغم ما يحمله المشهد من مأساة وكارثة بالمقاييس كافة، إلا أن الفيلم تعامل مع الأمر باستخفاف، وربما تسفيه وتسطيح، مثلما حدث من «بيبو»، الذي كان يصرخ «إحنا بتوع الفلاشة» على غرار صرخة عادل أمام في الفيلم الشهير «إحنا بتوع الأتوبيس»!تكمن قوة الفيلم وجرأته في السخرية اللاذعة من «الأمير»، الذي ينشد تأسيس «دولة الحق والعدل» فيما أطلق على ولايته اسم «بور عماد» تيمناً باسم «عماد ابن أم سيد»، وهو شديد الغرام بالغلمان، مثلما فعل مع «هاني»، ويعيش المجون والفجور والفسوق. وأحسن الفيلم عندما نوّه إلى ماضي «الأمير» كبائع متجوّل تعرض لملاحقة مستمرة من شرطة المرافق ما تسبب في تحوله إلى إرهابي، لكن لهجته البورسعيدية، ومبالغاته التي جعلته يحاكي «أبي العربي» البورسعيدي، حملت إساءة إلى أبناء موطنه، تماماً كالسخرية التي طاولت الأشقاء اللبنانيين، بحجة غموض وصعوبة واستغلاق اللهجة اللبنانية، وهو أسلوب رخيص ومبتذل يعكس مجدداً قلة الحيلة، وسذاجة التناول، وضحالة الخلفية والوعي، لأن الإسفاف لا يصنع كوميديا!على النهج المبتذل نفسه جرى الاشتباه في المسيحي «هاني» بأنه مخنث، و»كومار» الهندي بأنه يائس ومتشائم وخائن لأميره، وغلب على الفيلم الترهل، وأشاع مساحة لا بأس بها من الملل (مونتاج سُلافة نور الدين)، والتناقضات الدرامية في مواقف الشخصيات، كالانقلاب غير المبرر في سلوكيات «بيبو» بين القناعة التامة بالجهاد ثم هروبه من إحدى «الغزوات»، وحرصه على الاطمئنان على «الأعداء»، وظهور شخصيات زائدة، مثل مصاب الحرب (سامي مغاوري)!بالطبع جاء تعدد اللهجات، والجنسيات، ليصبّ في صالح الفيلم، الذي حذر من خطورة تفاقم الظاهرة الداعشية، لكن عادت السذاجة لتطل برأسها عبر الحيلة المكشوفة التي حاكها الشبان الثلاثة لإقناع «الأمير» بولائهم له، أملاً في تكليفهم بعملية إرهابية في مصر، تُعيدهم إلى أرض الوطن، لإبلاغ السلطات الأمنية. لكن النهاية السعيدة لم تنقذ الفيلم من السذاجة!