شدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكلمة "شدّد" مهمةٌ جداً، لدى اجتماعه بوزير الخارجية الروسي على ضرورة أن "تكبح" روسيا نظام بشار الأسد وإيران وأتباعهما، لإنهاء النزاع في سورية، والواضح أن هذه اللغة الدبلوماسية الناعمة ليست هي التي استعملت خلال الاجتماع الذي تم أمس الأول (الأربعاء) بين الاثنين في المكتب البيضاوي، في البيت الأبيض، والدليل هو أن سيرغي لافروف، على غير عادته، قد بدا في المؤتمر الصحافي الذي عقده في السفارة الروسية في واشنطن متوتراً ومرتبكاً ومرتجف الشفتين، ويواصل "فرك" كفيه ببعضهما بعضاً.

ويقيناً إذا كان ترامب قد استخدم في اجتماعه المغلق بوزير الخارجية الروسي هذه المفردات الصحافية الناعمة، فإنه على الذين كانوا ومازالوا ينتظرون هزَّ العصا الأميركية أمام أنْف سيرغي لافروف أن يضربوا كفاً بكف، وأن يرددوا ألف مرة، بيت الشعر العربي القائل:

Ad

وما نيْل المطالب بالتمني

ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا

والاعتقاد المرجح أنَّ ترامب، وقبله وزير خارجيته ريكس تيلرسون، قد أسمعا لافروف، الذي بقي ظهوره "طاووسياً" خلال سنوات الأزمة السورية كلها، كلاماً من المؤكد أنه سيأخذه إلى فلاديمير بوتين، غير هذا الكلام الناعم الذي يغلب عليه طابع "التمني" و"الترجي"، بدل التهديد الصارم، فهذه الإدارة الجمهورية التي أورثها باراك أوباما صورة باهتة ومزرية للدولة الأكبر والأقوى والأهم في الكرة الأرضية كلُّها معنية باستعادة مكانة الولايات المتحدة، على اعتبار أنها الرقم الأهم في المعادلة الكونية، وأنها القطب الوحيد والأوحد في عالم أراده الروس متعدد الأقطاب. ويذهب بعضهم إلى أنه أصبح عالم رئيسهم بلا أي شريك ولا أي منافس، كما قالت مارين لوبن!

وبالطبع فإنّ الأميركيين كانوا يعرفون، حتى قبل استقبال لافروف في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، أن الروس لن يستجيبوا لطلبهم ويبادروا إلى "كبح" نظام بشار الأسد وإيران والميليشيات التابعة لهما، إلا بإعطائهم الثمن الذي يطالبون به، إنْ في أوكرانيا وأستونيا ولاتفيا، وإنْ بالنسبة إلى التعامل مع روسيا على أنها القطب العالمي الثاني المتساوي مع الولايات المتحدة، وعلى غرار ما كان عليه الوضع خلال الحرب الباردة، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.

وهكذا فإن الروس لا يمكن أن "يفكّوا" علاقاتهم بإيران، التي هي الحليف الذي لا حليف فعلياً لهم غيره، ولا يمكن أن يتخلوا عن نظام بشار الأسد ما لم يقبضوا ثمناً مجزياً من الولايات المتحدة أو يجري "إفهامهم"، وبالقلم العريض، أنهم إنْ لم ينفِّذوا هذا الذي يطلب منهم بـ "طيبة خاطر" وبالتفاهم، فإنهم سينفذونه "غصْباً" عنهم... فأوضاعهم الاقتصادية لا تحتمل حتى ربع حرب باردة جديدة وإمكانياتهم العسكرية لا يمكن مقارنتها بإمكانيات الولايات المتحدة الأميركية... كل هذا، بينما العالم الفاعل كله ضدهم، ربما باستثناء الصين، إذ إنَّ هذا العالم وبخاصة الاتحاد الأوروبي ومعه بريطانيا يجدد اصطفافه إلى جانب أميركا التي بات مؤكداً أنها بصدد استعادة مكانتها الدولية التي كانت إدارة باراك أوباما قد أوصلتها إلى الحضيض!