نشأت عدة ممالك إسلامية في إثيوبيا منذ أكثر من ألف عام، وامتد عمر بعضها إلى قرون طويلة، آخرها كانت سلطنة "جِمّا" وسط البلاد، التي اندمجت بشكل نهائي مع الحكم المركزي قبل حوالي 100 عام.

في مقال اليوم سنشير إلى هذه الممالك بإيجاز شديد، ولنبدأ بسلطنة "شَوا"، التي أسستها أسرة من قبيلة بني مخزوم العربية في عام 896م، واستمرت حتى عام 1285، أي مدة أربعة قرون تقريباً. تقول المصادر التاريخية إن هذه السلطنة تمتعت بالاستقرار وازدهار العمران، وكانت تشمل 50 مدينة، منها: هجلة، ودجن، ومورة، والزنانير، وكان سكانها مزارعين، وتمتعت الأسرة الحاكمة فيها بالثروة والنفوذ، ما ساعد على نزوح عدد من الهجرات إليها والاستقرار فيها.

Ad

وكانت هذه السلطنة الإسلامية تقع جنوباً من "أوكسوم"، مقر ومركز الحكم المركزي لإثيوبيا، وتميزت بموقعها المحصن، حيث تحيط بها الجبال المرتفعة، ما أكسبها مناعة وحصانة ضد أي اعتداء خارجي. لكن في آخر خمسين سنة من عمر هذه السلطنة كثرت بها الفتن الداخلية، ما أضعفها، وساعد على اضمحلالها تدريجياً، ودفع جارتها سلطنة "إيفات" أو "أوفات" إلى إسقاط حكم بني مخزوم، وضم ممتلكات وأراضي "شوا" إليها.

من سلاطين هذه الإمارة الإسلامية الإثيوبية السلطان حُرْ بعر والسلطان عبدالله، والسلطان حسين وابنه محمد والسلطان دلمارة بن مالزرة، وغيرهم.

أما "أوفات"، فقد ولدت هذه السلطنة، التي عُرفت أيضاً باسم "جَبَرْت"، في عام 1250م، واستمرت إلى عام 1402، وذلك على يد مجموعة من بني هاشم ينتمون إلى عقيل بن أبي طالب، رضي الله عنه.

وكانت هذه السلطنة، التي تقع إلى الجنوب والجنوب الشرقي من الهضبة الإثيوبية، وتمتد إلى ساحل البحر الأحمر، تسيطر على الطريق التجاري الذي يربط الموانئ الساحلية، خصوصاً ميناء الزيلع بالداخل. من أشهر سلاطينها السلطان عمر وِلْشمع، الذي استولى على جارته "شوا" ومناطق أخرى عديدة في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي.

وجعل الملك الحبشي ياجبييا صهيون (1285-1294م) القضاء على سلطنة أوفات على رأس أولوياته، وبدأ بحملة على إمارة "عدل" التابعة لأوفات. ولولا تدخل السلطان المملوكي في مصر، الذي هدد الملك الإثيوبي بقطع علاقاته معه والامتناع عن التعاون معه في تعيين مطران لبلاده، لتم إسقاط حكم سلطنة أوفات وضمها بالكامل للحكم المركزي في ذلك الوقت.

وفي عام 1299م، وعقب وفاة الملك، قامت أوفات بتوسيع أراضيها، ولم يستطع الحكم المركزي إيقافها، ووقع الطرفان على هدنة مقابل إبقاء الأراضي الجديدة تحت سيطرة أوفات.

وبعد عقود من الزمان هجم السلطان حق الدين على أراضٍ إثيوبية أخرى، فقام ملك الحبشة بغزو أوفات عام 1329م، وأسقط حكم حق الدين، وعيَّن مكانه أخاه صبر الدين، مقابل الاعتراف بحق السيادة للحكم المركزي.

وتوالت النزاعات المسلحة في السنوات اللاحقة في عهد السلطان حق الدين الثاني وأخيه سعد الدين، وانتهت بانتصار الملك الإثيوبي وسقوط سلطنة أوفات عام 1402م.

وبعد انهيار أوفات، نزحت الأسرة السلطانية وبعض أتباعها إلى اليمن، واستقروا به في عهد الملك الناصر أحمد بن الأشرف.

نكمل حديثنا عن السلطنات الإسلامية في إثيوبيا في المقال المقبل إن شاء الله.