خطورة المفاجآت على عملية الإصلاح في مصر
"أول محاولة للإصلاح الحقيقي كانت عام 1977"، هذا ما قاله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ عدة أشهر عندما كان يمهد الأرض للقرارات الاقتصادية الصعبة التي بدأ باتخاذها بعد إشارته تلك بأشهر ثلاثة، مع تعويم الجنيه المصري، وما تلاه من تداعيات وقرارات، عندما تحدث عن الأوضاع الاقتصادية، تعد هذه الإشارة هي أول تقدير وتقييم للمشروع الاقتصادي الإصلاحي في ذلك الوقت، والذي تم التراجع عنه، ولا يذكر الناس منه إلا ما عرف باسم "انتفاضة الحرامية".لكن ماذا حدث عام 1977؟ كانت البلاد خارجة من الحرب منهكة اقتصادياً، وكانت هناك رغبة في محاولة إصلاح حقيقية، وفي إحدى جلسات مجلس الوزراء تحدث الدكتور عبد المنعم القيسوني رئيس المجموعة الاقتصادية عن ضرورة رفع الدعم على بعض السلع استجابة لقرار البنك الدولي عدم إقراض مصر 200 مليون جنيه ما لم يتم رفع الدعم، وقال القيسوني: "إن المركب يميل الآن من الناحية الاقتصادية ويمكن أن يغرق وأنه لا مهرب من اتخاذ القرار". وحدد القيسوني السلع التي يقترح رفع الدعم عنها ومنها سلع تموينية، وقال إن المشكلة ذاتها تتكرر مع الدول العربية بعد أن قررت عدم دفع أي مساعدات إلا بعد استشارة خبراء من البنك الدولي، واعترضت الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية، وقال سيد فهمي وزير الداخلية إن الوزارة أُلفت لكي تثبت الأسعار، فكيف يفاجأ الناس بعد شهرين برفع الأسعار، وقال إن هذا يؤثر على الوضع الأمني. بعد ذلك عقد السادات اجتماعاً، تحدث فيه الدكتور حامد السايح وزير الاقتصاد والاستثمارات، وقال إن رفع الأسعار إجراء لا مهرب منه، وهو لازم اليوم قبل الغد، وأي تأخير في رفع الأسعار يمكن أن يعرض البلاد لكارثة اقتصادية، وقال السادات: إذا كان هذا هو الرأي الفني، وإذا كان التأخير يعرضنا لكارثة، فإنني موافق، لكن ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء، عقد اجتماعاً بصفته رئيسا لحزب مصر "الحزب الحاكم"، مع أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب، شرح لهم الموقف، وإذا بأعضاء "الحزب الحاكم" يهاجمون قراراته، وتطور الأمر بعد ذلك إلى مظاهرات يناير، والتي أعقبها تراجع السادات عن تلك القرارات، هذا التراجع وقتها، إثر المظاهرات، كان قراراً صحيحا، على الرغم من أن ذلك من الممكن أن يفسر البعض بأنه هزيمة سياسية، وعلى الرغم من أن السادات ظل يردد أنها "انتفاضة حرامية"، فإن المقربين منه قالوا إنه كان يدرك أنها مظاهرات ضد رفع الأسعار المفاجئ، وإن سببها الحقيقي هو الأسلوب الخاطئ في إدارة قضية الإصلاحات الاقتصادية، وتوصيلها للجماهير.
القرار الاقتصادي الذي اتخذ عام 77 كان صحيحاً، لكن التعامل معه كان خاطئاً، وهو ما أدى إلى نتيجة عكسية، وجعله يشكل هاجساً وتخوفاً مستمراَ لدى رؤساء مصر التالين، ولدى جميع المسؤولين بعد ذلك، في التعامل مع قضية الإصلاح الاقتصادي بشكل جاد وواضح.الرئيس السيسي اتخذ إجراءات صعبة، وكانت لديه الجرأة والشجاعة أن يقتحم ما تجنب من سبقوه مواجهته، وفضل الرجل أن يكون واضحا مع شعبه حاسماً في قراراته وإصراره على الاستمرار فيها؛ لأنه أدرك أن هذه هي مصلحة المجتمع حتى لو كان الثمن باهظا، لأن رهانه على المستقبل، لكن الإشكالية الأساسية هنا هي مدى نجاحه في التواصل مع جماهيره ليقنعهم بصحة الإجراءات التي يتخذها، وشرح رؤيته لملامح المستقبل. مصر في حاجة للإصلاح الاقتصادي، لكن يجب أن تدار العملية بشكل علمي ممنهج، وأن نستفيد من أخطاء تجربة 77، وأن يشترك المصريون جميعاً في القرار، وألا يفاجأ الجماهير بقرارات وإجراءات دون تمهيد وشرح وإقناع، وبهذا وحده تنجح عملية الإصلاح.