الكل يعرف طيور الحب، كان عندي اثنان مات واحد وبعد فترة اشتريت طيراً آخر ووضعته في القفص معه، فلاحظت في البداية أن كليهما خائفان، الأول من زيارة طير غريب لم يكن متوقعا قدومه، والثاني استقباله مكانا جديدا، وكان قلباهما يكادن يتصدعان من صدمة هذا اللقاء؛ إلا أنهما بعد ساعات تعارفا على بعض وكأنهما يعرفان بعضهما منذ وقت بعيد فقام الأول بدعوة الطائر الثاني على الطعام.

وكذلك حدث في حوض السمك، كان لدي سمكتان ماتت إحداهما وبعد وقت أحضرت سمكة أخرى، ففي البداية كانت السمكتان تدوران بشدة في الحوض؛ كل واحدة على حدة، وبعد سويعات بدأتا تتسايران معا، فقلت سبحان الله، كيف تآلفتا وحدث مثل هذا التلاحم والتقبل والتسليم والاستكانة لبعضهما، وتعايشتا بالسلم والمودة والمحبة.

Ad

وهذه حال خلق من مخلوقات الله، فقد أودع الله في قلوبها التسليم والرضا، فما بالنا نحن البشر نستصعب تقبل أقرب الناس إلينا كأبنائنا وإخواننا وأزواجنا ووالدينا ونضرب بحاجز من حديد على قلوبنا، وبحاجز من الكراهية على أبصارنا، ونراهم كأنهم شياطين ووحوش؟

السبب الأول والأخير يعود للنظرة السوداوية لذواتنا وابتعادنا عن أرواحنا الجميلة اللطيفة التي أضعفناها بعدم الاهتمام بها، فلو نظفنا تلك النظرة الداخلية عن أنفسنا، وأعدنا النظر في عمق ذواتنا لأبصرنا بصيص النور والحب داخلنا، فلا نحتاج أن نتسوله من الآخرين، بل نعمل على تكبير مساحة النور فينا، وتوسيع طاقة الحب في دواخلنا ليتسع ذلك لكل من نقابله وكل أقربائنا الذين آذونا أو هجرونا لأنهم يعيشون هم في معاناتهم، فلا أزيدهم من الطين بلة بعدم تقبلهم، بل نتقبلهم دون أن نغير فيهم شيئاً.

وبتقبلنا لهم ورؤيتهم السماحة فينا سيتغيرون، ويحدث مثل ذلك الذي حدث من الطائرين والسمكتين، حيث لا يوجد في أذهانها أي انطباع عن أي مخلوق من قبل، تستقبله كما هو فقط، وتتعامل معه ذاته، وهذه هي الفطرة، وهنا يحدث التجاذب والحب عندما نلتقي بأشخاص لا نحمل أي معتقدات سالفة الذكر عنهم، ونستقبلهم بالحب الذي يسع صدورنا.

ومهما كانوا، حتى لو كانوا أحط الناس على وجه الأرض، وكل الخبث فيهم، فلا نعاملهم بما هم عليه، بل بالحب الذي نملكه، حتما سيتغيرون وسيتأثرون بنا، بل سيقررون أن يفتقوا ذلك النور وذلك الحب داخلهم لينعموا بالجنة، وهم على الأرض.