هذه هي الطريقة، التي يمكن أن يبدأ فيها السباق إلى القاع. في واشنطن تعهد الرئيس دونالد ترامب بأن يتراجع عن الأنظمة المالية، التي أقرت بعد الأزمة المالية العالمية في سنة 2008. وفي لندن تواجه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي هجرة محتملة للمصرفيين بعد خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، وقالت إنها قد تقاوم أي إجراءات تجارية" عقابية" من جانب الاتحاد الأوروبي، مثل تخفيضات ضريبية أو تغيير في السياسة من أجل اجتذاب مستثمرين وشركات. وفي الوقت ذاته، يمكن لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي النظر في تخفيف القوانين بغية اجتذاب شركات تتخذ من لندن مقراً لها. وفي بروكسل، يتطلع أكبر المنظمين في أوروبا إلى تخفيف أحدث جولة من شروط ومعايير الرقابة المصرفية الدولية.
لم يكن من المفترض أن تتجه الأمور إلى هذا المسار، ففي مراحل التحولات السياسية الهيكلية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كانت أجهزة الرقابة المالية تبادر إلى وضع قوانين أشد وتلجأ إلى درجة أكبر من التنسيق. وقد حاولت تلك الأجهزة القضاء على محاولات البنوك للعمل في مجالات ذات مخاطرة عالية. وكان الدرس، الذي تمثل في الذعر المالي للقرن الحادي والعشرين من انهيار مصرف ليمان براذرز إلى أزمة الديون الأوروبية هو أن الأزمات لا تنحصر في الحدود الوطنية. وطلب المنظمون من البنوك العالمية الكبرى الاحتفاظ بمزيد من رأس المال وتمويل مزيد من إقراضها عبر الأسهم، وليس الدين حتى تكون أكثر قدرة على تحمل الخسارة. وتعرضت شركات الإقراض إلى اختبارات جهد منتظمة من أجل تقييم حدود تحملها للمخاطر. لكن مع لقاء وزراء المالية وحكام المصارف المركزية ومديري الصناعة في واشنطن أواخر شهر أبريل الماضي، في اجتماع الربيع السنوي حول الاقتصاد العالمي، كانت المحادثات مختلفة نوعاً ما. وعلى الرغم من أن التراجع التنظيمي لم يحدث بعد، وقد يحتاج إلى سنوات ليحدث، فإن مارك كارني وهو رئيس مجلس الاستقرار للمنظمين العالميين، الذي تشكل بعد الأزمة، حذّر في خطاب في العشرين من شهر أبريل الماضي من "إعياء إصلاحي"، يمكن أن يفضي إلى عدم الانتهاء من بعض الجهود التنظيمية، وقال، "إن النظام المالي العالمي عند مفترق طرق".
الانتخابات الأميركية
منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية تحسنت الأسهم المالية بنسبة 20 في المئة تقريباً، ويرجع ذلك في جزء منه إلى أمل المستثمرين بحدوث تنظيم أفضل. وكتب جامي ديمون وهو الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان تشيس" يقول، إن النظام المالي أكثر أماناً بعد الأزمة، لكن البنوك القلقة من زيادة التدقيق التنظيمي تملك الآن الكثير من رأس المال تقيد عمليات الإقراض. ويرد على ذلك أنات أدماتي البروفيسور المالي في ستانفورد بالقول: "لا يوجد تنظيم يمنع البنوك من استخدام أرباحها أو جمع أسهم من مستثمرين بغية تقديم قروض قيمة".وفي حالات قليلة، أقر بعض المنظمين بإمكانية الالتفاف على الأنظمة الأميركية، وقال دانييل تارولو، الذي تصدر العديد من القيود الأكثر أهمية في مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، قبل أن يستقيل في شهر أبريل، قال إن بعض المتطلبات يمكن تخفيفها بالنسبة إلى البنوك الصغيرة. لكن ترامب كان يدفع نحو تغييرات أكبر.ويثير ذلك قلق صناع السياسة في خارج الولايات المتحدة. وتقول كارن شو بترو، وهي شريكة في شركة فدرال فايننشال أناليتكس في واشنطن "السؤال الكبير، الذي ينتظر الأوروبيون توضيحاً له، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تمضي حقاً في طريقتها الخاصة إزاء أسئلة حيوية مثل قرار منظم يتعلق بالشركات الفاشلة".وفي اجتماع لجنة بازل الخاصة بالإشراف على العمل المصرفي عملت مجموعة من المنظمين للتوصل إلى معايير دولية منظمة لحركة رأس المال منذ ثمانينيات القرن الماضي. ويفترض في مراجعة مرتقبة للسجلات أن تحد من قدرة البنوك على استخدام طرقها الداخلية في تقييم المخاطر من أجل تقرير ما إذا كان بحوزتها ما يكفي من رأس المال.وقد جادل المنظمون والسياسيون الأوروبيون في أن التغييرات المقترحة كانت متشددة جداً بالنسبة إلى شركات الإقراض في بلادهم. واتخذت الولايات المتحدة حتى الآن خطاً أكثر تشدداً من الأوروبيين. وكان يفترض في أحدث قوانين "بازل" أن تكتمل في بداية هذه السنة، لكنها أرجئت فيما ينتظر السياسيون والمنظمون الأوروبيون معرفة ما إذا كان ترامب وشريحة منظميه سوف يغيرون اتجاههم.ويعمل الاتحاد الأوروبي على تلطيف الأنظمة لتصبح "صديقة للنمو" بدرجة أكبر، بحسب قول فالديز دومبروفسكيسز وهو رئيس الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي في خطاب في واشنطن في العشرين من شهر أبريل الماضي. وأضاف أن الاتحاد لا يرغب في خفض المقاييس المتعلقة بإبقاء البنوك آمنة "ونحن نعول على الولايات المتحدة لدعم المبدأ نفسه".وينظر المسؤولون الأوروبيون نحو الداخل أيضاً مع كفاحهم لمواجهة قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وانضمت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا مي إلى مشرعين آخرين في أن التغييرات التنظيمية قد تستتبع في مرحلة ما بعد البريكست. وقالت شركة إنتركونتننتال اكستشينج، وهي واحدة من أكبر المنصات التجارية في العالم، إن البريكست يوفر للملكة المتحدة فرصة مراجعة القوانين المضللة من بروكسل. كما دعا محامون لدى شيرمان و ستيرلنغ في لندن صناع السياسة إلى النظر في استخدام البريكست من أجل تحقيق "إطار عمل تنظيمي صديق للأسواق".وتسأل الدول في الاتحاد الأوروبي التي تتنافس لاجتذاب أعمال مع إعادة تنظيم الأوروبيين الماليين لأنشطتهم بعد البريكست، ما إذا كانت الأنظمة قد تستخدم على شكل حوافز. وسبق أن اشتكت أيرلندا إلى اللجنة الأوروبية من أن دولاً أخرى تعرض قوانين أكثر ليونة على شكل جزء من "منافسة خطيرة" لاجتذاب الأعمال.وتشعر هيئة الأسهم والأسواق الأوروبية، التي تسعى إلى تنسيق المقاييس عبر الاتحاد الأوروبي تشعر بقلق إزاء ما قد يحدث إذا سمحت الجهات التنظيمية الوطنية في أوروبا للشركات البريطانية بإقامة مكاتب في البلدان الأوروبية، فيما تبقي الجزء الرئيسي من أعمالها في لندن بحيث لا يتمتع المنظمون الأوروبيون بإشراف ملائم. وحذر المنظمون في البنك المركزي الأوروبي من ثغرة يمكن أن تلحق الضرر بقدرتهم على مراقبة الأسواق إذا قامت البنوك بنقل شركات من المملكة المتحدة: ولا يشرف البنك المركزي الأوروبي على فروع ووحدات وساطة في شركات الإقراض الأجنبية، لأن ذلك متروك للمنظمين الوطنيين.