نقطة: وصايا للمستقبل المجهول
إذا كان هناك من يحب تشبيه حياته ببعض الألعاب، فإنه يمكنني تشبيه حياتي بمزيج من لعبتين، فبين لعبة الأخطاء السبعة وآلية جمع النقاط في المنافسات الرياضية يمكنني أن أسمي حياتي بلعبة "جمع الأخطاء"، صحيح أن كل هذه "النقاط" لا تؤهلني للفوز بأي دوري أو كأس أو حتى ميدالية، لكنها تسمح لي فقط بإعطائك بعض النصائح والتعليمات التي لم تنفع صاحبها أصلاً، ككل المدربين، والقرار لك بالعمل بها أو الضرب بها عرض الحائط.كنت سأنصحك في زمن آخر بإكمال تعليمك في أفضل الجامعات الأجنبية، لكن الرأي تغير اليوم، ولا بد أن تستفيد من أخطاء الآخرين، نصيحتي لك ألا تأخذ التعليم بجدية، فالعمر أثمن من أن تضيعه في الجامعات المرموقة، ما بين مكتباتها ومراكز أبحاثها، وترهق نفسك وعقلك في زمن الشهادات بالمراسلة، ومن ثم أدعوك أن تضع جامعات الدول الشقيقة نصب عينيك، فاذهب لتزجية وقتك بين مقاهيها وسهراتها الجميلة، وستأتيك الشهادة راكعة بين قدميك ترجوك لتأخذها تعيش معك في بلدك، لتؤمّن لك الوظيفة والراتب والكادر ونصف دينك وأبواب العمل السياسي، وهذه بالذات بوابة مغارة علي بابا التي من خلالها ستنير مستقبلك وستطور ذاتك إذا عرفت كيفية استغلالها بشكل جيد.
فبعد أن تتحصل على شهادتك "الأكاديمية"، عليك أن تعرف أن نصف العلم أفضل من العلم، والأهم هو أن تمتلك ثقة الجهلاء وجرأة السفهاء وقليلاً من كلمات العلماء، ثم "تخلطهم مع بعض" جيداً، وستبدع بعدها في أسلوبك الخاص وشخصيتك المميزة، ولا مانع من وجود قليل من الإسفاف وقلة الأدب في كلامك، فذوق الناس انحدر في السنوات الأخيرة، وهكذا ستطربهم أكثر. لذا فبعد أن تتكون شخصيتك سيكون أمامك خيارات بوسع العالم العربي المريض، للانضمام إليها، فبيدك مثلاً أن تكون إخوانجياً مرتّباً تعرف أجوبة كل الأسئلة ومخارج كل الطرق الخلفية، أو سلفياً خفيف ظل يكفر نصف الكرة الأرضية المتآمر عليه، أو أن تكون معارضاً لكل شيء، وبلا وضع بدائل طبعاً، لأنك إذا ما وضعت بدائل فإنها ستكون محل فحص وتحليل، وأنت تفكيرك أصلاً محدود، ولن تعرف أن تضعها، فاحذر أن تجعل نفسك محلاً للنقد والسخرية. الأهم من ذلك، ومهما كان خيارك، ألا تحاول أن تبدو مستقلاً، واجرِ دائماً مع القطيع حتى لا يدهسوك إذا ما عارضتهم، واعلم أنه كلما زادت قدرتك على استثارتهم؛ زاد قدرك وعلت قيمتك لديهم.في هذه الأثناء، وبعد أن ترسِّخ نفسك واسمك، ما عليك إلا أن تؤسس شركة صغيرة، وتبدأ بتسجيلها لدى لجنة المناقصات وكافة الجهات الرسمية، ثم لا يمنع بعد ذلك من فتح قنوات خلفية مع كبار التجار، فيستطيعون من خلال شركتك التقدم بمناقصات وعقد صفقات لحسابهم، و"كل مشروك مبروك"، منهم المال ومنك الثقة، وبالرفاه والبنين.لا تلُمني يا ابني على أني لم أدخر لك شيئاً، الأموال قد تضيع وتهلك، لكني أعطيتك علماً نافعاً لا ينتهي ولا ينفد، سيجلب لك كل الخير والسعادة، إذا أتقنت الصنعة.