أميركا تنسى أسباب تشاطرنا الأشياء
يهتم رجال الاقتصاد بالبضائع العامة؛ نظراً لوجود أسباب وجيهة للظن أن مثل تلك الأشياء لن تتوافر بكميات كافية ما لم تشارك الحكومة في تقديمها، ولكن يوجد سبب آخر للاهتمام بذلك الجانب أن البضائع العامة تمثل نوعا حقيقياً من الثروة الاجتماعية.
الاستثمار في الأشياء التي نستعملها كلنا يجعل البلاد أكثر ثراء ويحد من التباين في الثروات، ففي العديد من الأيام أستيقظ في الصباح وأخرج في أجواء نقية وأستقل القطار الى عملي، فأسير على رصيف نظيف في طريقي عبر متنزه جميل ثم أستقل القطار وأتوجه الى مكتبي، وهذه طريقة رائعة للبدء بيوم العمل، ولعل المدهش في هذا كله- وباستثناء ثمن تذكرة القطار التي لا تتجاوز الدولارين– أنني لا أتكبد أي نفقات لقاء كل ما أتمتع به من خدمات.ولكني أدفع الضرائب بصورة مباشرة وغير مباشرة مع أن الخدمات التي أتمتع بها لم يتم تحديد سعر لها، وتقوم الحكومة بتوفيرها، كما أن قدرتي على التمتع بأشعة الشمس والهواء النظيف والسير في المتنزه وركوب القطار لا تختلف ولا تتغير سواء كنت من الأثرياء أو من الفقراء، وبحسب تعابير ومصطلحات الاقتصاديين فإن هذه تعتبر "بضائع عامة وخدمات عامة". ويهتم رجال الاقتصاد بما يصفونها بالبضائع العامة؛ نظراً لوجود أسباب وجيهة للظن أن مثل تلك الأشياء لن تتوافر بكميات كافية ما لم تشارك الحكومة في تقديمها، ولكن يوجد سبب آخر للاهتمام بذلك الجانب أن البضائع العامة تمثل نوعا حقيقياً من الثروة الاجتماعية التي لا يتم احتسابها في الإحصاءات الرسمية، وذلك يعني أنه من خلال توفير المزيد من البضائع العامة سيصبح في وسع الحكومة محاربة التباين المتزايد في الثروة.
وخلال السنوات القليلة الماضية شهدت الولايات المتحدة تراجعاً في حصة الثروة الخاصة التي تتمتع بها الأكثرية البالغة 90%، وفي كلمات أخرى معظم الأميركيين.
تزايد التباين في الثروة
تصل نسبة الحد الأدنى من الثروة إلى 90 في المئة من سكان الولايات المتحدة، وهي أرقام مرتفعة جداً، ومعظم المواطنين الأميركيين يملكون مجتمعين أقل من ربع كامل الثروة في القطاع الخاص، وتشمل نسبة الـ90 في المئة شريحة الشباب الذين بدؤوا يشقون طريقهم في الحياة، ولم يتوافر لهم الوقت الكافي من أجل بناء ثروة، ومن هذا المنطلق فإن ذلك الرقم ليس مخيفاً تماماً كما يمكن أن يبدو عليه من النظرة الأولى، ولكن على الرغم من ذلك فإن الهبوط في نسبة الـ90 في المئة هذه خلال العقد الماضي يجب أن يثير قلق الكل بصورة عامة. الحل الذي كان أكثر انتشاراً حول هذه المشكلة هو فرض ضريبة على الثروة، وقد أشار إلى هذه الفكرة الاقتصاديان توماس بيكيتي وغابرييل زاكمان اللذان درسا التباين في الثروة، وهي فكرة مثيرة للاهتمام لأن لدى بعض أصحاب النظريات المتعلقة بهذا الموضوع ما يدفعهم إلى الظن بأن فرض ضرائب على الثروة يمكن أن يفضي أيضاً الى تحسين الإنتاجية. وتجدر الإشارة إلى أن النوعين الرئيسين من الضرائب على الثروة الموجودة في الأساس هما ضريبة العقارات وضريبة الممتلكات، ولكليهما ما يبرر حصوله على دعم، وضريبة العقارات تبدو عادلة بالنسبة إلى العديد من الناس، فيما قد تساعد ضريبة الممتلكات على خفض قوة ملاك الأراضي في المناطق الحضرية. ولكن هناك أيضاً مسألة ما يمكن عمله بعوائد الضرائب هذه، هل يتعين إعادة توزيع تلك الأموال للمواطنين بصورة مباشرة على أساس دخل عام أو حساب دخل مكتسب؟ ومن المؤكد أن ذلك سيسهم في تحسين الحياة اليومية بالنسبة الى العديد من الناس، ولكن هناك سبب يدعو الى الظن بأن الهبات النقدية قد تغير على الأرجح توزيع الثروة في الأجل الطويل، ويرجع السبب وراء ذلك الى أنه بمرور الوقت سيتم تحديد توزيع الثروة الخاصة من خلال معدلات التوفير، ويوفر الأغنياء كمية أكبر من المال تفوق ما يوفره الفقراء:معدلات التوفير على أساس الثروة
يبدو أن العديد من الناس في الولايات المتحدة ينسون فوائد البضائع العامة، وقد ألغى الكونغرس الأميركي في الآونة الأخيرة قانون عهد أوباما الذي يمنع إلقاء فضلات الفحم في الجداول والأنهار، كما أن الرئيس دونالد ترامب وقع أمراً تنفيذياً يقضي بفتح بعض الأراضي الفدرالية أمام الحفر والتعدين، وفي غضون ذلك وعلى الرغم من أن ترامب وعد في حملته الانتخابية بتحقيق زيادة في إنفاق البنية التحتية فإنه يبدو الآن في طريقه إلى تقليص ذلك الإنفاق.وإذا كانت الولايات المتحدة ستحارب الزيادة في تباين الثروة يتعين عليها طرح مزيد من البضائع العامة لا خصخصة أو إلغاء تلك الموجودة في الواقع.* Noah Smith
خلال السنوات القليلة الماضية شهدت الولايات المتحدة تراجعاً في حصة الثروة الخاصة