تكمن جاذبية الناتج المحلي الإجمالي في أنه يوفر، أو يبدو أنه يوفر، إحصاء موجزاً عن كيفية جودة أداء الاقتصاد، وعلى هذا الأساس يعتبر اقتصاد منطقة اليورو في وضع جيد، وفي حقيقة الأمر فإن ذلك الاقتصاد يشهد تحسناً بمعدل أسرع من الاقتصاد الأميركي، وتظهر الأرقام التي نشرت في الأسبوع الماضي أن الناتج المحلي الإجمالي في منطقة العملة ارتفع بمعدل وصل إلى 0.5 في المئة خلال الربع الأول من هذه السنة، وهو معدل على أساس سنوي يبلغ نحو 2 في المئة، ويمكن القول إن هذا كان أسرع تماماً من المعدل السنوي الذي بلغه الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والذي وصل إلى 0.7 في المئة. وقد تبالغ هذا الأرقام في تحديد الفجوة بين الاقتصادين، كما أعيد في السنوات الأخيرة تحديد نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي باتجاه صاعد وبصورة جوهرية، وعلى الرغم من ذلك يشهد اقتصاد منطقة اليورو تعافياً واضحاً حتى مع تحسن الاقتصاد الأميركي، وعلى سبيل المثال فإن القفزة التي شهدها قطاع مبيعات السيارات في شهر مارس الماضي أظهرت أن أوروبا قد تخطت بصورة إجمالية الولايات المتحدة مثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الصين. كما أن التصنيع في منطقة اليورو حقق نمواً بأسرع وتيرة له خلال 6 سنوات في شهر أبريل الماضي، وذلك بحسب مؤشر مشتريات المديرين الذي يرصد عن كثب النشاط الاقتصادي، فيما هبط المؤشر المقابل في الولايات المتحدة. ولم تقتصر الأخبار الجيدة على شريحة المصنعين، فقد أظهر مؤشر اللجنة الأوروبية الاقتصادي الذي يعتمد على دراسات تشمل صناعات الخدمة والمصنعين وشركات البناء والمستهلكين في منطقة اليورو ارتفاعاً إلى أعلى مستوياته طوال عقد من الزمن في شهر أبريل الماضي، وتمثل هذه الحصيلة الزائدة في منطقة اليورو، وبشكل جزئي، خروجاً من الركود الاقتصادي في مرحلة مبكرة أكثر مما حققته الولايات المتحدة في هذا الميدان، وتوجد إضافة الى ذلك زيادة في الطلب من جانب المستهلكين وقدرة أكبر من جانب الشركات لتلبية ذلك الطلب. ومن جهة أخرى تبلغ معدلات البطالة في منطقة اليورو 9.5 في المئة مقارنة مع 4.5 في المئة بالنسبة الى الولايات المتحدة، ثم إن الفوارق في السياسة النقدية بين أوروبا والولايات المتحدة تعكس المراحل المختلفة للتعافي الاقتصادي. وتجدر الإشارة الى أن مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي قد بدأ– بصورة بطيئة– عملية رفع معدلات الفائدة، وعلى العكس من ذلك فإن البنك المركزي الأوروبي حافظ على خطواته من دون تغيير، وفي ختام اجتماعة الشهري حول السياسة النقدية في السابع والعشرين من شهر أبريل الماضي أبقى البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة الرئيسة عند نسبة الصفر، كما أن المعدلات التي يدفعها على احتياطي البنك وصلت إلى –0.4 في المئة، وقد أبقى من دون تغيير الوتيرة التي يقوم البنك المركزي الأوروبي من خلالها بشراء السندات وهي 60 مليار يورو (66 مليار دولار) في الشهر وذلك حتى نهاية هذه السنة على الأقل، ولم يقدم رئيس البنك المركزي الأوروبي السيد ماريو دراغي أي إشارة على احتمال تشديد السياسة في أي وقت قريب، وعلى الرغم من أنه أقر بأن أخطار التعثر الاقتصادي "قد تراجعت بقدر أكبر" فإنه أصر على أن التضخم في منطقة اليورو لا يزال منخفضاً بإفراط.
ولكن لا يزال أمام ماريو دراغي ما يستوجب الشعور بالخوف، بما في ذلك إدارة الصين لديونها المتراكمة الكبيرة والتهديدات التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول سياسة الحماية، ويمكن القول إن الانتخابات في أوروبا قد تطرح عقبة في وجه النمو الاقتصادي، وإن لم يكن ذلك في فرنسا فربما في إيطاليا وهي موطن السيد دراغي.
مقالات
إجمالي ناتج «اليورو» يتجاوز النمو الأميركي
13-05-2017