«إلى أين؟» لجورج نصر... نسخة مرمَّمة من الفيلم ضمن كلاسيكيات «كان»
أعلنت اللجنة المنظّمة لمهرجان «كان» السينمائي الفرنسي أن نسخة من فيلم «إلى أين؟» للمخرج اللبناني جورج نصر، رُمِّمت بمبادرة من شركة «أبّوط برودكشن» للإنتاج و«مؤسسة سينما لبنان»، ستعرض ضمن تظاهرة «كانّ للأفلام الكلاسيكية» (Cannes Classics) في الدورة السبعين من المهرجان في مايو الجاري، ذلك بعد 60 عاماً على عرض الفيلم الأصلي في المسابقة الرسمية للمهرجان.
يتناول فيلم جورج نصر «إلى أين؟» موضوع الهجرة، ويفيض بنظرة المخرج الصادقة تجاه الطبقة العاملة. بعد سنوات كثيرة على إطلاقه، لا تزال قضية هذا العمل مطروحة اليوم: عائلة تعيش في حال فقر في إحدى القرى اللبنانية، وذات يوم يهجر الوالد عائلته ويذهب إلى البرازيل التي كان يعتبرها قسم كبير من اللبنانيّين بلاد الثروات.مرّت 20 سنة، ربّت الوالدة خلالها أولادها بصعوبة كبيرة: البكر كوّن عائلة، والأصغر سناً يستعد للهجرة إلى البرازيل. وفي أحد الأيّام يصل إلى القرية رجل رثّ الثياب، لا يتعرّف إليه أحد.لا يزال هذا الفيلم يحظى باهتمام صانعي السينما والعاملين في هذه الصناعة. في هذا السياق، أعلن القيمون على مهرجان «كان» أن العمل سيُعرض ضمن تظاهرة «كانّ للأفلام الكلاسيكية» Cannes Classics في مايو الجاري. في هذا السياق، أوضحت «أبّوط برودكشن» و«مؤسسة سينما لبنان» في بيان أصدرتاه أنهما بادرتا إلى ترميم الفيلم ووصفتاه بأنه «كنز وطني»، انطلاقاً من ضرورة «الحفاظ عليه وإتاحة مشاهدته وإعادة اكتشافه لجمهور جديد في السنة التي تصادف الذكرى الستّين لمشاركته ضمن المسابقة الرسمية في الدورة العاشرة للمهرجان عام 1957».
ترميم الفيلم، الذي كان الأول لِمخرجه في ذلك الوقت، تحقّق بدعم «بنك البحر المتوسّط» وبالتعاون مع «نادي لكل الناس» وThe Talkies.وشرح البيان أن الفيلم الأصلي المصوّر بتقنيّة الـ35 ملم مُسح ضوئياًFine Grain Master Positive بدقّة عرض 4k ونُقِّحت وصحِّحت ألوانه بدقّة عرض 2k. كذلك أشار البيان إلى أن شركة Neyrac Films الفرنسيّة تولّت ترميم الصورة، فيما أعيد ترميم الصوت فيstudio DB في لبنان، مؤكداً أن النسخة المرممة ستكون بالجودة نفسها التي عرض بها الفيلم في «كانّ» عام 1957.
«نصر»
شركة «أبّوط برودكشن» للإنتاج، بحسب البيان، في صدد إنجاز فيلم وثائقي بعنوان «نصر» (A Certain Nasser) يتناول سيرة المخرج اللبناني وأعماله، سيعرض في وقت لاحق استكمالاً لأنشطة الذكرى الستين لفيلمه-الحدث. وتولى كل من أنطوان واكد وبديع مسعد إخراج الوثائقي، وهو يتتبع مسيرة عمل جورج نصر والمعارك التي خاضها من أجل إيجاد صناعة سينمائية في لبنان، ويربط بين قصّة حياته وقصّة ولادة السينما اللبنانيّة وتطوّرها. ففيلمه «إلى أين» لم يكن فحسب، عند عرضه في «كانّ» عام 1957، أول فيلم لبناني في مسابقة المهرجان الفرنسي، بل هو كذلك أول فيلم لبناني يُعرَض عالمياً، وأول «فيلم مؤلّف» (author film) لبناني.وتنافس الفيلم على «السعفة الذهبيّة» مع أفلام لمُخرجين عظماء على غرار وليام وايلر وإنغمار برغمان وفديريكو فلليني وروبير بريسون وستانلي دونن وأندريه فايدا... وترك انطباعاً طيّباً لدى أعضاء اللجنة مثل جورج ستيفنز ومارسيل بانيول.وكان لجورج نصر فيلم ثانٍ هو «الغريب الصغير» (Le Petit Etranger) اختير بدوره لمهرجان «كانّ» عام 1962، ثم فيلم ثالث بعنوان «المطلوب رجل واحد» عام 1975. ولم يُخرج بعد ذلك أيّ فيلم روائي طويل. ولكن رغم قلّة عدد أفلامه، يعتبر جورج نصر، الذي وُلد في طرابلس عام 1927، «أبا السينما اللبنانية»، وبهذه الصفة تكرّمه هذه السنة الدورة الرابعة من «مهرجان طرابلس للأفلام» في لبنان، من خلال إقامة عروض لأبرز أعماله، وتوقيع كتاب عنه ًصدر بمبادرة من الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ALBA).جورج نصر في سطور
درس نصر السينما في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس (UCLA) القريبة من هوليوود، وعاد إلى وطنه مع تصميم على صناعة الأفلام في بيئة لم تكن هذه الصناعة قائمة فيها. وبعد أفلامه الثلاثة بين عامَي 1957 و1975، وضعت الحرب الأهليّة اللبنانيّة حداً نهائياً لمسيرته. ولم يحذُ نصر حذوَ المخرجين اللبنانيّين الذين أخرجوا أفلاماً عن الحرب، كمارون بغدادي وبرهان علوية وجوسلين صعب ورندا الشهّال وجان شمعون. ومع ذلك، لم يفكّر في أيّة لحظة في ترك بلده، وعمل مدير إنتاج لبعض الأفلام الأجنبيّة، واستمرّ في الكتابة والسعي إلى الحصول على فرص تمويل لسيناريوهاته، ولكن للأسف مرّ الوقت ولم يتأمّن المال. وسعى نصر إلى إنشاء نقابة لتقنيّي الأفلام وصندوق دعم وطني للسينما اللبنانية، لكنّ هذه المحاولة لم تتكلّل بالنجاح. في النهاية، اتجه نصر إلى التدريس في الأكاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة، وثقّف أجيالاً جديدة بفن صناعة الأفلام.
«الغريب الصغير» لجورج نصر كان اختير أيضاً للمشاركة في «كانّ» عام 1962