من وفاته قبل عامين، ولا تزال إنجازات لي كوان يو موضوع نقاش عالمي واسع، لكن هناك واحداً من أهم عوامل نجاح «مؤسس سنغافورة الحديثة» في وصول البلاد، إلى ما هي عليه اليوم، لم تتم الإشارة إليه إلا على استحياء، وهي الاستثمارات التي قام بها ومن خلفوه في مجال التعليم.لطالما أشار يو إلى أن استراتيجيته هي «تنمية المورد الطبيعي الوحيد الذي تمتلكه سنغافورة، وهو شعبها».
اليوم، تتصدر سنغافورة قائمة البلدان، التي تحتوي على أفضل مدارس وأعلى مستوى في التحصيل الدراسي في العالم، وفقاً لتصنيف منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية «OECD».على الرغم من أن عدد سكان «المدينة الدولة» هو خمسة ملايين نسمة فقط، لكنها تفتخر بوجود جامعتين محليتين ضمن أفضل 75 جامعة على مستوى العالم، وهو بالمناسبة نفس عدد الجامعات اليابانية والألمانية والصينية في القائمة.لكن كيف حدث هذا؟ وماذا فعل لي كوان يو وخلفاؤه من بعده؟ هذا ما يحاول التقرير الذي نشرته مؤسسة «بروجيكت سنديكيت» الإجابة عنه.
البدء من حيث انتهى الاستعمار!
- أولاً، بالنسبة للدول، التي تضع خطواتها الأولى في مجال التعليم، ينبغي التأكيد على أن نظام التعليم في سنغافورة لم يصممه لي كوان يو وزملاؤه من الصفر، وإنما تم بناؤه على أسس متينة ورثتها البلاد من الاستعمار البريطاني لها.- على النقيض من العديد من معاصريه خلال فترة ما بعد الاستعمار، لم يخف لي كوان يو من أن يتبع أي سياسة كانت موجودة أثناء الاستعمار من شأنها أن تكون مفيدة في تأسيس سنغافورة الحديثة.معاصرة
- المنهج الدراسي للمرحلة الثانوية في سنغافورة، تم تصميمه على أساس النظام التعليمي الثانوي البريطاني، لكن مع تعديلات بسيطة تتناسب مع ارتفاع مستويات التحصيل العلمي لدى الطلبة في سنغافورة.- على الرغم من أنه لا يتم إهمال تطوير البنية التحتية بأي شكل من الأشكال، لكن الاستثمارات السنغافورية في مجال التعليم تتركز بشكل رئيسي على الطالب والمعلم.- تم بناء نظام وطني سخي للمنح الدراسية، وهو ما يمكن أفضل الطلاب من الاستفادة من التعليم في بعض الجامعات العالمية الرائدة، على الرغم من أن سنغافورة نفسها تمتلك واحداً من أكثر الأنظمة التعليمية تطوراً في العالم.الاستثمار في المعلمين أيضاً
- بسبب حرصها على أن تكون رواتب مهنة التدريس أعلى من المتوسط الوطني للأجور، نجح النظام التعليمي في سنغافورة في جذب أفضل الخريجين للعمل به.- حينما يتعلق الأمر بانتقاء وتطوير أفضل المواهب، تأتي سنغافورة من دون شك في المقدمة، وتحاول تحقيق أقصى استفادة من ذلك النهج من خلال إلزام متلقي المنح الدراسية الحكومية بالخدمة في القطاع العام لمدة لا تقل عن سنتين مقابل كل سنة دراسية. - بنفس القدر من الاهتمام، يتم الاعتناء بدعم المعلمين وتطويرهم، ويتم تولية المدرسين أصحاب الأداء العالي مسؤوليات قيادية سواء في وزارة التعليم أو في إدارة المدارس، دون الالتفات إلى طول أو قصر مدة خدمتهم.- كثيراً ما يتم انتداب المعلمين للقيام بأعمال تخص سياسات التعليم في سنغافورة، وفي وقت لاحق يتم اختيار العديد منهم من أجل العودة إلى الفصول الدراسية.تطلع إلى الأمام
- تفخر سنغافورة بجميع مؤسساتها التعليمية، لكن يمكن القول، إن درة تاج ذلك النظام هي مئات المدارس المحلية ومعاهد التعليم الفني التي توفر تعليماً عالي الجودة للجميع.- القائمون على النظام التعليمي في سنغافورة متطلعون دائماً للأمام، وهذا ما يظهره تبنيهم للغة الإنكليزية كلغة ثانية (بالإضافة إلى اللغة الأم الماندرين أو الملايو أو التاميل)، وتركيزهم على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.- مدفوعة بحاجة المجتمع متعدد الأعراق للغة مشتركة اختارت سنغافورة اللغة الإنكليزية، لغة ثانية، لكن تلك الخطوة أيضاً كانت في حقيقتها اعترافاً منها بالانتشار السريع للغة الإنكليزية كلغة مشتركة للتجارة العالمية والعلوم.الأمر يتجاوز التعليم الرسمي
- بالنسبة للأب المؤسس لسنغافورة، فإن التعليم يتجاوز مجرد التعليم الرسمي، فكما قال في خطاب له عام 1977: «تعريفي للرجل المتعلم، هو رجل لا يتوقف أبداً عن التعلم ويريد أن يتعلم».- في الواقع، إن النظام التعليمي العالمي، الذي تمتلكه سنغافورة اليوم، يمكن اعتباره واحداً من إنجازات لي كوان يو الأعظم أثراً، لذلك لا تبدو أنها صدفة أن جنازته شيعت من جامعة سنغافورة الوطنية.