إذا لم تحدث تطورات دراماتيكية كتلك التي شهدتها مصر مع مطلع العقد الحالي؛ فإن الرئيس السيسي سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستبدأ إجراءاتها خلال الربع الأول من العام المقبل 2018، وهو على الأرجح سيفوز، ولن يواجه منافسة جادة.ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الانتخابات التعددية الرابعة في تاريخ البلاد، كما أنها ستأتي في أعقاب انتفاضتين تاريخيتين أطاحتا نظامين سياسيين، وأسستا لتقاليد جديدة، لكنها مع ذلك لن تشهد قدراً مناسباً من التعدد.
لقد أعلن الرئيس السيسي أكثر من مرة أنه سيترشح للانتخابات، راهناً هذا الترشح برغبة الشعب المصري، ومؤكداً أنه لن يستمر في الحكم ثانية واحدة ضد إرادة هذا الشعب، ومع ذلك يبدو أن النقاش العمومي في مصر يجري عن حالة "استفتاء"، يكون التصويت فيه بـ"نعم" أو "لا" على منح الرئيس ولاية ثانية، وليس انتخابات يتم الاختيار فيها بين بدائل.بالنظر إلى الديناميكية والمفاجآت التي انطوت عليها الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيراً في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، يبدو أن مصر سيكون لها رأي آخر في انتخاباتها المقبلة، حيث تتحول التعددية المفترضة فيها إلى شكل من أشكال الاختيار الأحادي، الذي يتخذ صورة المبايعة.بدأت حملات في الإعلام الموالي مبكراً ضد كل من يطرح نفسه مرشحاً محتملاً، وهي حملات أعقبت عملية تصفية معنوية وسياسية لبدائل سياسية وحزبية كان من الممكن أن يكون لها توجه مغاير لمنح الرئيس ولاية ثانية.رغم الظروف السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد، والصعوبات الاقتصادية الجمة، وغلاء الأسعار غير المسبوق، وحالة التشكيك الكبيرة في جدوى المشروعات الضخمة التي تبناها الرئيس، فإنه لا يبدو أن هناك مجالاً لطرح بدائل سياسية.يمثل دستور 2014 حالة سياسية مصرية متقدمة، تعكس قدراً ملائماً من الموازنة بين السلطات، وتتيح الظروف المناسبة لحياة سياسية نشيطة وفعالة، في إطار احترام حقوق الإنسان، وفي القلب منها الحق في اختيار الممثلين السياسيين، والقادة، ومحاسبتهم، ومراقبة أدائهم، فضلاً عن صيانة حرية الرأي والتعبير.بعد أكثر من ثلاثة أعوام من إقرار ذلك الدستور، لا يبدو أن النسق السياسي على الأرض أخلص في ترجمتها على نحو أمين، كما لا يبدو أن بوسعنا الحفاظ على بعض ما جاء في ذلك الدستور من مكاسب، خصوصاً تلك التي تتعلق بالفصل بين السلطات، وحق المراجعة والمراقبة المكفول لبعضها إزاء البعض، وللجمهور إزاءها جميعاً.لا يمكن أن تتم عملية انتخابية ناجحة من دون توافر موارد كافية؛ وتلك الموارد لا تقتصر فقط على نزاهة اللجنة المشرفة على الانتخابات، أو دقة وأمانة عملية التصويت والفرز، لكنها موارد تتسع لتشمل كل عناصر السياق السياسي الحاكم للعملية الانتخابية.نحن نعرف الآن أن الأميركيين كانوا يختارون بين بديلين رئيسين؛ أحدهما وصفه معظمنا بالشعبوية والديماغوجية والانفلات والإفراط اليميني، وثانيهما رأى معظمنا أنه مؤسساتي ودولتي، وأكثر براغماتية وإخلاصاً للنسق القائم في السياسة الخارجية والداخلية الأميركية، وحرصاً على إدامته.وفي الانتخابات الفرنسية كان اليمين بدرجاته حاضراً، كما ظهر الوسط بميراثه المعتدل، واليسار في صوره الممتدة من الاشتراكية المعتدلة إلى الراديكالية المفرطة.نستخلص من هذين الاستحقاقين الانتخابيين أن الانتخابات لا يمكن أن تجري من دون بدائل سياسية، تعكس أنساقاً مختلفة من فهم المشكلات العامة، وحلولاً متباينة للتعاطي معها.نستخلص أيضاً أن السياق الذي تجري فيه العملية الانتخابية يجب أن يؤّمن أكبر درجة ممكنة من الحرية للأطراف السياسية لكي تطور برامجها، وتتصل بالجمهور، وتعرض نفسها عليه، وتروج لحججها وذرائعها.تعكس تلك الطريقة حيوية النظام السياسي، وقدرته على طرح البدائل، كما تعكس التعددية الواجبة لمقاربة المشكلات الوطنية، والنزاهة في إتاحة الفرص للمتنافسين، وتجعل من الشعب المرجعية الأخيرة والوحيدة لحسم الخيارات، ومن ثم سيكون الجمهور متقبلاً للنتائج أياً كانت، ومتحملاً مسؤولية اختياره.إن لحظة الاصطفاف في طوابير الانتخاب للإدلاء بالأصوات، لاختيار رئيس الجمهورية، ليست كل شيء في العملية الانتخابية، ولا تضمن وحدها نجاعة تلك العملية ونزاهتها.للوصول إلى تلك اللحظة، يجب أن تقوم الدولة، وبقية الأطر المجتمعية، بجهود كبيرة حتى تجعل لتلك اللحظة معنى، وحتى تثمر العملية الانتخابية، وتقود الأمة إلى الأمام.لكي نحدد مدى التعددية التي يمكن أن تنطوي عليها الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، علينا أن نطرح عدداً من الأسئلة: هل لدى مصر حالة حزبية نشيطة وفعالة، يمكن أن تفرز بدائل سياسية، وبرامج متعددة يختار منها الجمهور؟ هل يعكس البرلمان الوطني تباينات الحالة السياسية في مصر، ويقوم بدوره المفترض في مراقبة السلطة التنفيذية، والتشريع، ويحترم الفصل بين السلطات؟هل يتمتع الإعلام بالحد الأدنى من الحرية، والتنوع، والتعدد، واحترام المعايير المهنية، التي من دونها لا يمكن أن تتوازن حظوظ المتنافسين في أي عملية انتخابية؟ هل تلعب السلطة التنفيذية دورها في سياق العملية الانتخابية بأمانة وتجرد، أم تسخر نفسها لخدمة الحكم القائم؟ هل يملك أي فصيل سياسي، أو سياسي فرد، الفرص الكافية، والبيئة المناسبة، لكي يطور برنامجه، ويطرح نفسه على الجمهور، ويروج لانتخابه، من دون تدخل أو مناوأة؟هل يمكن أن تجري الانتخابات، وتنجح في إدراك مراميها، في ظل حالة استثنائية مثل حالة الطوارئ، التي يمكن أن تمتد، لتظل قائمة في وقت إقامة الانتخابات؟ هل بالإمكان إقامة انتخابات، تتحلى بالرشد والنزاهة، وتفرز مخرجات جيدة، في ظل مواجهة التحدي الإرهابي، الذي يضغط على أعصاب الجماهير، ويشوش خياراتها؟ وأخيراً، هل يتمتع القضاء بقدر مناسب من الاستقلالية؟تلك كلها أسئلة يجب أن نطرحها على الإطار السياسي، والسلطة التشريعية، والإعلام، والجمهور قبل أن نشرع في استحضار الأمل.إذا أردنا عملية انتخابية تعكس قدراً من الرشد والنزاهة، وتطور الحالة المصرية، وتنقلها إلى الأمام، علينا أن نجيب عن تلك الأسئلة، وأن نزيل ما قد يعوق نجاعة الانتخابات بقدر الإمكان، وفي مقدمته الانغلاق والأحادية والتوتر العمومي.* كاتب مصري
مقالات
من ينافس السيسي؟
14-05-2017