أمي الحبيبة

نشر في 15-05-2017
آخر تحديث 15-05-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم "أمي الحبيبة"، رسائل أدباء إلى أمهاتهم، كتاب مفعم بالرقة والحنان ينضح من رسائلهم التي أرسلوها إلى أمهاتهم.

هذا الكتاب من ترجمة سعيد بوخليط، أهداه لي الأديب الصديق يوسف القعيد، وأشكره على هذه الهدية القيمة، لأنه بالفعل كتاب رائع ومهم يكشف عن أرق وأحن وأضعف مشاعر وأحاسيس الحب من هؤلاء الكُتاب المهمين الكبار الحاصلين على أرفع الجوائز والأوسمة الأدبية، والذين شكَّل أدبهم معظم خطوط التيارات والمسارات والتحولات العظيمة في الأدب العالمي وذائقة القراء.

وتلك الرسائل تعود إلى شارل بودلير وغوستاف فلوبير وهنري جيمس وأندريه جيد ومارسيل بروست وجان كوكتو وويليام فولكنر وإرنست همنغواي وأنطوان دي سانت إيكزوبيري.

رسائل في منتهى الأهمية تكشف وتعري شخصياتهم، وتقشر لبهم حتى النخاع، فنجدهم عادوا أطفالا بحاجة لحنان ودعم ومحبة أمهاتهم.

استغربت جدا من شدة ضعفهم، وحاجتهم لوجود أمهاتهم، ونحن الذين نقرأ كتبهم وإبداعهم المبهر، ونتوقع وراء هذا الإبداع شخصيات شديدة لا تقوى عليها الريح ولا العواصف، ولا تنهار بهذا الضعف وهذه الحاجة إلى تواجد الأم ودعمها العاطفي الوجداني، حتى في أصغر وأبسط الأمور نجدهم يهرولون إلى استشارة أمهاتهم، مثلهم مثل بقية الناس العاديين، عند محبة الأم يتساوون مع عادية البشر.

وسأقتبس بعض المقتطفات من رسائلهم دون ترتيب لوضعها في الرسائل:

أولا، من رسائل شارل بودلير، الذي كتب ديوان "أزهار الشر"، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، يتحول إلى شحاذ لإدرار عواطف أمه، ومن مجموعة رسائله: "أمي الغالية، إذا امتلكت حقا عبقرية الأمومة، ولم يلمسك بعد السأم، فحاولي القدوم إلى باريس للبحث عني ورؤيتي. لا أعرف ما بوسعي منحه، كي أقضي أياما بجوارك، فأنت الكائن الوحيد المتعلقة به حياتي، فقط لثمانية أيام أو ثلاثة، بل بضع ساعات. أعتقد أنك تحبينني بشغف، بعقل أعمى، أنت تمتلكين مزاجا كبيرا جدا! لقد أحببتك بولع خلال طفولتي. قدرنا بالتأكيد أن يعيش أحدنا من أجل الثاني، وننهي حياتنا، بأقصى ممكن من النزاهة والرقة. كنت دائما حيا فيك، وأنت كنت في ذات الوقت معشوقة ورفيقة".

وهذا أندريه جيد، الحائز جائزة نوبل، يكتب لأمه بشكل آمر: "كل متمنيات قلبي وروحي، وكل أفكاري الغالية، منصبة على الموضوع وهي تتصادم. مازلت أنتظر. أجيبي بسرعة، فهذا الترقب يعتبر إنهاكا: لماذا لا تأتين فورا؟ إذن، لن أذهب قبل أن يصلني خطاب منك، لكن بما أني أصاب بالجنون حين الانتظار كثيرا، فأرجوك أن تسرعي إلى الإرسال البرقي، ويكون ردك: نعم سنأتي".

أما جان كوكتو، الكاتب والشاعر والمخرج والمصمم والفنان العظيم، فيكتب لأمه رسائل بمنتهى اللغة الشاعرية: "أمي العزيزة، شعلة شمعة ترتجف. خرير البحر. كل شيء هادئ، أولا أقبلك ألف مرة، ثم أسرد لك قصة سفري. أحبك عزيزتي الصغيرة أمي، وأنا أبكي بمرارة لكونك بعيدة عني. أغمرك بقبلي، اكتبي إلي رسائل طويلة تجعلني أكثر قربا. تدركين جيدا، لا شيء في هذا العالم يرضيني سوى رسائلك، وكذا كلمة ثناء منك تشكل لي درعا أتحصن بها ضد كل الطعنات".

ويليام فولكنر مؤلف الأعمال العظيمة على قمتها رواية "الصخب والعنف" والحائز جائزة نوبل، يحتفل بعيد الأم، ويشتري الزهور حتى وهو بعيدا عنها، بعد تسجيله لأشواقه يطلب مثل كل الأبناء ما يلي: "أما فيما يتعلق بالملابس، فأنتظر منك قمصانا وقمصانا ثم قمصانا. أرجوك أمي، أفضلها بزر واحد وليس اثنين على مستوى العنق، كي يتموضع عند الأسفل، لقد دأب الكواء، على عادة سيئة بحيث يقتلع الأزرار عندما يكون بصدد كي الثياب. أحبك أكثر من أي شيء آخر في هذا العالم".

الكاتب الأميركي أرنست همنغواي، الحائز أيضا جائزة نوبل، يعاني كما يعاني أي كاتب عربي حين يقترب من سيرة العائلة، فيقول برسالته: "بل كل ما التمسه الهدوء وإمكانية الكتابة. قد لا تحبان أبدا ما أكتبه، ثم بغتة قد تحبان بشغف شيئا ما، لكن عليكما أساس الاقتناع بأني صادق بخصوص جل ما كتبته. كان أبي أمينا، فيما أنت أمي لم تكوني كذلك بالمطلق، وأفهم على الوجه الأكمل أن تفسير ذلك يعود لكونك تعتقدين أنه يلزمك توبيخي وإخباري بأني متورط في مسلك تعتبرينه مشؤوما، لديكما الانطباع بأني جلبت لكما الفضائح".

back to top