تتعامل الحكومة مع موضوع إصلاح الاقتصاد والمالية العامة بطريقة غريبة يكتنفها الغموض والسرية وغياب الشفافية المفترضة في عمل السلطات العامة، فهي تُردد خطابا إعلاميا مُستهلكا يُحمّل المواطنين أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة، الذين لا يشاركون في صياغة السياسات واتخاذ القرارات، تبعات العجز المالي، ويتوعدهم بدفع "فاتورة" الفساد السياسي المؤسسي، وسوء إدارة الحكومة للمالية العامة على طريقة المثل الشعبي الشهير "جاك الذيب جاك وليده"!وعلى الرغم من تصرح وزير المالية بأن الحكومة تعمل على تعديل وثيقتها الاقتصادية، فإنها، في واقع الأمر، ماضية في تنفيذ جميع سياساتها الاقتصادية والمالية الواردة في"الوثيقة"، والتي تُركز على موضوع جباية الأموال. وعلى ما يبدو فإن التظاهر الحكومي، إعلامياً، بالتراجع عن بعض ما ورد في "الوثيقة" هو لمجرد امتصاص الغضب الشعبي، فالسياسات الواردة في "الوثيقة" تنفذ في الوقت الراهن من دون أي تعديلات جذرية، حيث بدأت بزيادة أسعار البنزين والكهرباء والماء، وزيادة بعض رسوم الخدمات العامة، وخصخصة عدد من المدارس في كل المحافظات، وتسليم مشاريع حكومية للقطاع الخاص الطفيلي تحت عناوين غير دقيقة ومُضللة مثل "بي أو تي" أو "الشراكة بين القطاعين العام والخاص".
أضف إلى ذلك، أن الحكومة تعمل الآن على تنفيذ برامج الخصخصة التي وردت في وثيقتها مثل خصخصة مستشفى "جابر" بسعر زهيد رغم تكلفته المالية الباهضة، وخصخصة (بيع) بعض الوحدات النفطية، ومحطات توليد الكهرباء في "الزور" و"الصبيّة"، ومعالجة النفايات وغيرها، وذلك بحسب مقابلة وزير المالية مؤخراً مع مجلة "أريبيان بزنس". بناءً على ما سبق، فإنه من الواضح أنه لا نية جادة لدى الحكومة لتعديل سياساتها المالية والاقتصادية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي يطالب بها السواد الأعظم من المواطنين، فالعمل جارٍ حالياً على قدم وساق لتنفيذ "الوثيقة الاقتصادية والمالية" الحكومية في ظل غياب الشفافية، وبعيداً عن اطلاع الرأي العام ومراقبته، إذ وصلت، على سبيل المثال، برامج الخصخصة بأشكالها المختلفة إلى التعليم، والصحة، والنفط ومشاريع الدولة الكبرى التي كلفت المال العام مليارات الدنانير، هذا ناهيكم عن العمل، مثلما حصل ويحصل في برنامج الخصخصة في دول كثيرة حول العالم، على إفشال مؤسسات وشركات عامة مربحة كي يتم تبرير بيعها، فيما بعد، لمجاميع تجارية بأسعار زهيدة لا تعكس قيمتها الحقيقية.
مقالات
«الوثيقة الاقتصادية» بين التصريحات والواقع!
15-05-2017