لماذا أصر عدد كبير من المتكلمين في السياسة و"المطلعين على بواطن الأمور"، وما أكثرهم في هذا البلد، على أن الثالث من مايو الجاري، موعد حكم المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية، سيكون موعداً لحل مجلس الأمة؟ ولماذا صارت ثقافة الحل هي السائدة والمسيطرة، وكأنها هي القاعدة واستمرار المجلس هو الاستثناء؟

الملاحظ أيضاً أن حجم اليقين بأن المجلس "رايح رايح" كان كبيراً، ووصل إلى درجة العقيدة، بل وبشيء من الشماتة، وأن من يقول عكس ذلك من أمثالي، إما ساذج، أو لا يعرف ببواطن الأمور.

Ad

والآن كيف نفسر هذه "اليقينية" القطعية في الوقت الذي صدر فيه حكم المحكمة الدستورية برفض كل الطعون باستثناء طعن جزئي بالدائرة الرابعة؟

فلنسأل سؤالاً آخر: كم عدد مجالس الأمة منذ الاستقلال؟ وكم مرة تم تزوير انتخاباتها؟ وكم مرة تم حلها وكيف كانت طريقة الحل؟

عدد المجالس التي مرت علينا فعلياً هو 17 ، أما العدد الرسمي فهو 15 ، حيث تم شطب مجلسي 2012 (فبراير وديسمبر) من التاريخ الرسمي بسبب إبطالهما. أما عدد المجالس فيما لو أتم كل مجلس مدته كاملاً لأربع سنوات فهو 13 ، أي إنه صار لدينا مجلسان زائدان رسمياً وأربعة مجالس غير رسمية. أما التزوير المباشر، حيث قد يكون هناك تزوير غير مباشر، فقد حدث في الانتخابات الثانية في يناير 1967 لمرة واحدة فقط. أما الحل فهناك إبداع فيه، حيث إن لدينا ثلاثة أنواع من الحلول، الأول هو الحل غير الدستوري، وقد حدث هذا في 1967و1986. أما النوع الثاني فهو الحل الدستوري ويتمثل في إجراء انتخابات جديدة خلال 60 يوماً، وهو بمنزلة الدعوة لانتخابات مبكرة، وقد حدث سبع مرات، كلها بعد الغزو. أما النوع الثالث فهو الإبطال عن طريق المحكمة الدستورية، وقد حدث مرتين في 2012 .

الملاحظ أنه حتى 2006 كانت هناك قاعدة "مجلس وترك"، أي بعد استكمال كل مجلس مدته القانونية يتم عادة حل المجلس الذي يليه. وقد تم كسرها وإلغاؤها نهائياً في مجلس 2006 ، ومن ثم صرنا الآن نتبع سياسة "الحل كيفما اتفق"، حيث تم حل 3 مجالس. كما أن الملاحظ أن أسباب الحل في مجملها غير واضحة وغير معروفة، وليس بالضرورة أن يكون المجلس المنحل مشاكساً، ولا أقول معارضاً، فليس لدينا معارضة بالمعنى العلمي، والدليل على ذلك حل مجلس 2013 ، وربما حل مجلس 1999.

من الواضح أن حالة العبثية السياسية والتساهل في حل المجالس قد أصابت الناس بحالة توتر ذهني، ولم يعودوا يدركون أيها حقيقة وأيها خيال، وأيها حية وأيها حبل؟

لكي تستقيم الحياة السياسية لابد لها من استقرار في اللوائح الحاكمة لها، وإلا فنحن أمام غشمرة وعدم جدية، ويبدو أننا كذلك. وتتمثل الخطوة الأولى للاستقرار في تحصين الانتخابات البرلمانية من العبث المكرر بإعادة فتح ملف قانون المفوضية العليا للانتخابات الذي تم وضعه على الرف. ولكي تنجح مفوضية الانتخابات في دورها لابد لها أن تكون مستقلة، قضائية أو شبه قضائية، ولها صلاحيات واسعة بدءاً من اعتماد كشوفات الناخبين وانتهاءً باعتماد نتائج الانتخابات. ما لم يحدث ذلك فإن ثقافة حل المجلس "كيفما اتفق" ستجعل الحياة السياسية بلا أفق يرتجى، ويظل الناس يترقبون "هلال" حل المجلس منذ اليوم الأول للانتخاب.