فالج لا تعالج
يقولون "فالج لا تعالج"، أي إنه لا علاج حقيقي للصداع النصفي، وهكذا هو الوضع الاقتصادي السياسي في الدولة، هو فالج مزمن ولا علاج لا عند أطباء الحكومة ولا عند الخاص. الاقتراحات بالحلول التقليدية أو وصفات البنك الدولي والصندوق بتخصيص معظم القطاعات العامة ونقل عبء الوظيفة لها، غير ممكنة، فمن ناحية، الحكم لا يرضى لأن شرعيته بداية ونهاية تقوم على الريع وهيمنة الإدارة العليا "الأسرة الحاكمة" على أرزاق الناس عبر الوظيفة العامة أو توزيع مشاريع الإنفاق العام، وفي الحالتين هناك دائماً مبدأ إن حبتك عيني ما ضامك الدهر، أي الواسطة والمحسوبية ولي عنق القانون وكل أنواع الفساد المعروفة في جوف النظام الريعي.من ناحية أخرى، لا داعي للمراهنة على القطاع الخاص، فكم مللنا من تكرار أدبيات مثل أنه لا يوجد قطاع خاص حقيقي ومنتج، وكل ما لدينا، إذا استثنينا أربع أو خمس شركات، مجرد بقالات ووكالات بالعمولة، وهي بدورها وبسبب ملكيتها العائلية تعمل أيضاً وفق مبدأ إن حبتك عيني، ومبدأ القرابة أولى من الجدارة في قواميسها، ولا يتصور عقلاً أنها ستقبل آلاف القادمين لسوق العمل حين تغلق في وجوههم أبواب الوظيفة العامة، أيضاً وبسبب مخرجات التعليم التي كرستها الحكومات المتعاقبة بإهمالها وعدم وعيها يغلب عليها وصف "إدارية"، فهي ليست فنية أو مهنية لن يرحب بها هذا القطاع.
كذلك، هناك وجهة نظر تقول إن القفزات الاقتصادية الكبرى في دول شرق آسيا، مثل سنغافورة وكوريا وماليزيا، لم تتم بعضلات القطاع الخاص والانفتاح على السوق العالمي، وإنما بجهد وتدخل حكومي، فحكومات تلك الدول في مراحل التأسيس الصناعي لم تبصم على العولمة والانفتاح، وإنما انتهجت سياسات حمائية، ودعمت صناعاتها الوطنية حتى وقفت على أقدامها، وفيما بعد دخلت أسواق العالم لتتنافس وتقف على قدم المساواة مع دول العالم المتقدم، ولا يمكن تصور أن الكويت أو شقيقاتها الخليجيات يمكن أن تكون في وضع مشابه لدول شرق آسيا.لا توجد حلول لا عند الحكومة ولا عند المجلس، سواء رفع الأخير شعار حماية المواطن ورزقه والعدالة الاجتماعية، أو تم وصم هذا الشعار بالشعبوية السياسية من قبل الإعلام شبه الرسمي، لا يوجد غير الاقتناع بأن الدولة كانت ومازالت تدار بعقلية المخيم المؤقت، أي إذا انتهى وقت الربيع والتخييم تم قسمة الباقي من رصيد التخييم بين المخيمين، وذهب كل واحد وشأنه، لا يوجد مستقبل مع هذه الإدارة، فقد كانت عاجزة أيام الوفرة المالية، وغرقت في فوضى الترضيات الفاسدة، وقمعت الناس، وتوغلت عميقاً في سياسة العصا والجزرة، وهي عاجزة اليوم بعد أن أخذت آبارها المالية تجف لا تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي، تعاني من فالج خطير، وليس عندها وصفات صادقة غير وصفة فالج لا تعالج... الله يكون بعوننا فنحن وأطفالنا من يتألم من فالج إدارة السلطة.