يعد كتاب «المخطوطات نفائس وحكايات» أحد الإصدارات المهمة في مجال المخطوطات، إذ يتيح للقراء نماذج من عيون المخطوطات العربية في مناحي العلوم والمعارف، بطريقة تلخص فكرة المخطوطة، وتعرِّف بصاحبها وتدرسها من الجوانب كافة.

كذلك يتناول قضايا حضارية وثقافية باتت مهمة جداً اليوم، في ظل اندثار مدرسة تحقيق التراث عربياً، ويستعرض الجوانب المضيئة في تراثنا العظيم، حتى منتصف القرن العشرين، ويدفع الجامعات والمجامع اللغوية، إلى الحفاظ على رصيدنا من المخطوطات، التي لا تجد اليوم من يحفل بها.

Ad

يعرض الكتاب المخطوطات المنتقاة بعناية، مشيراً إلى كيفية تعامل الأسلاف معها، موضحاً كيف كان هؤلاء متسامحين، وأكثر انفتاحاً على الفنون والسماع، وليس كما يتوهّم البعض من الأجيال الجديدة التي تصادر ما أباحه الشرع باسم التطرف والتضييق والمنع بلا دليل ولا نص.

المادة والروح

جمع الكتاب بين العلوم النظرية والعلوم التطبيقية، بين مطالب النفس والروح، وبين مطالب الحياة والواقع وبين علوم الدين وعلوم الدنيا، ذلك في لوحة فنية لافتة.

من موضوعات الكتاب: مخطوطة مصحف ابن البواب آية عجيبة من الفن والزخرفة، والعثور على النسخة الوحيدة من مخطوطة السماع للقيسراني وما تتضمنه من آراء الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء حول إباحة السماع الذي لا يتضمّن الفحش ولا الخروج على تعاليم الإسلام، ومقامات السيوطي الأدبية الخلاّبة التي تحدَّث فيها عن النقد الاجتماعي في عصره وعن السرقات التأليفية، والنقد السياسي! والعثور على أول مخطوط في أدب الطفل لابن الهيتمي قبل أن يعرف الغرب هذا الأدب المهم، ومنها: رحلة مخطوطة طوق الحمامة للإمام ابن حزم الظاهري في الحب، والعشق، وأنواعه، وأوقاته، ودواعيه، وغرام ابن حزم بسماع الأغاني وحديثه عن الطرب، ومخطوط ابن سينا بين جماليات الأدب وحكمة العلم، والرازي رائد الطب السريري في العصور الوسطى، وكيف سبق العرب في معرفة علم اللسانيات قبل نعوم تشومسكي وغيره من الغربيين، وقصة مخطوطة كتاب «الفوائد في أصول البحر والقواعد» لأسد البحار أحمد بن ماجد، وكيف أن كولمبس عرف أميركا عن طريقه.

كذلك تناول مخطوطات علوم التفسير في الأندلس، وأصداء عربية في الكوميديا الإلهية لدانتي، وهل أسلم دانتي فعلاً؟ ومن بينها: كيف أعاد المستشرقون النِّفَّري إلى الحياة بعد قرون من إهمال العرب؟ ومخطوطة سِحر مزامير النبي داود عليه السلام، وهل ثمة علاقة عضوية بين السِّحر الحلال، وبين العلاج النفسي في العصر الحديث؟ وكيف تم الاهتداء إلى مخطوطة مجهولة لديوان سلطان العاشقين ابن الفارض في الفاتيكان على يد أحد الرهبان؟ فضلاً عن مخطوطة أسرار الحج التي غسل فيها الإمام أبو حامد الغزالي ذنوبه على جبل عرفات، ومخطوطة أمثال القرآن للنيسابوري، ومخطوطة أسرار التنزيل وأنوار التأويل للإمام الرازي، ومخطوطة تفسير ابن عجيبة الساحرة، ومخطوطة المُجيد في إعجاز القرآن المَجيد لابن خطيب الزملكاني، ومخطوطة القواعد الكبرى في فقة مقاصد الشريعة للإمام العز بن عبد السلام، ومخطوطات الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة النعمان، وفرسان مدرسة التحقيق المصرية، إلى جانب القضايا الشائكة المتعلقة بالتراث، ومن بينها: التأثيرات العربية وإلاسلامية في الفكر الأوروبي الوسيط، وهل ماتت مدرسة التحقيق العربية الزاهرة؟ وهل عرف العربُ فن الإتيكيت قبل الغرب بقرون، كما يقول السيوطي في مخطوطة «الوسائل إلى معرفة الأوائل».

فوضى التحقيق

يقدِّم الكتاب أسباباً لفوضى التحقيق الحاصلة اليوم ويحيلها إلى رحيل عباقرة تحقيق التراث الواحد تلو الآخر، فيقول: «أحدث غيابهم جرحاً غائراً في الخاصرة العربية لم يندمل بعد في حقل الثقافة والتراث، وأدَّى ذلك إلى اقتحام البعض هذا البحر الهائج، التحقيق، وهو لا يملك الأدوات، ولا الثقافة، ولا الموسوعية، فكانت الكارثة التي نحياها اليوم من المحيط إلى الخليج».

يتابع: «كم من الرسائل الأكاديمية التي تُعطى في الماجستير والدكتوراه في تحقيق التراث، وإظهار المخطوطات وإحيائها، إلاَّ أنَّ الكيف رديء للأسف الشديد، والبون شاسع بين تحقيقات الأجداد، والآباء الماهرين، وبين تحقيقات الحفدة العاجزين، فالعجلة، والتسرع، والاكتفاء بدراسة التحقيق نظرياً، وعدم التتلمذ على يد شيوخ التحقيق تطبيقياً، وإرادة الحصول على الإجازة العلمية بأية وسيلة، ذلك كله أدَّى إلى عدم إتقان الجيل الجديد قواعد فن التحقيق، وضوابطه على الصورة التي وضعها رواد هذا الفن الجليل».

ويطالب المؤلف بإحياء مدرسة التحقيق العربية التي أرسى دعائمها فطاحل المحققين.