خارج السرب: جسور المحامين وزحمة الجمعية
إن كانت جمعية المحامين ترى تصرف النيابة انتقاصا لحقوق محاميها أو حصانتهم، فكل ما عليها هو الدفع التشريعي لترميم وسد الثغرات في القانون الحالي، بدلا من المعالجة الشعبية للأعراض وترك ثغرة القانون القديم تهدم جسورها وتدخل أعضاءها في «زحمات» لا تُسمن ولا تغني من جوع.
«المحامي بمثابة جسر واصل بين الحقيقة الماثلة والعدالة المنشودة». التعريف السابق قد يصف مرافعات المحامي كما يصف دوره الفعلي أيضاً، والجميل في كلمة الجسور- التي جاءت كوصف لدور المحامين- أن أهميتها المعنوية تماثل أهميتها المادية بالضبط، فالجسور كبنية تحتية قد يؤدي قطعها إلى عرقلة وسائل النقل والمواصلات، وجعل شبكة الطرق تغط في سبات طويل، كما حدث مثلاً أثناء قطع جزء من جسر الغزالي، وما تلاه من زحمة خانقة سالت فيها عبرات المواطنين، فأغرقت ورق الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة طبعاً إلى الوقت الذي غرق «بشبر ثانية».تداعيات حجز المحامي مشعل الخنة، وهو جسر قانون أيضاً، سببت زحمة لأعضاء جمعية المحامين، لكنها مع الأسف كانت زحمة بالمكان الخطأ، ولا أقلل هنا من شأن خطوات جمعية المحامين، لا سمح الله، بل بالعكس ما قاموا به بعد حجز الخنة يكفي أنه ذكّرنا بــ»بريحة المرحومين»، مؤسسات المجتمع المدني التي صار وجودها الشكلي جنازة يشبع فيها كل ذي طموح لطماً حتى يقبض على الكرسي لتبدأ الأفراح والليالي الملاح لمجده الشخصي.
ما أقصده هو أن زحمة جمعية المحامين لم تكن وجهتها الصحيحة مقر الجمعية أو النيابة العامة، بل كان يجب أن يكون مجلس الأمة لا سواه، فهناك مصنع التشريع ومنتجات القوانين التي في حدها الحد بين الجد واللعب، المحامون يحتاجون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى قانون ينظم مهنتهم، ويعطي المحامي حصانة أكثر تحميه وتوفر له ضمانات تمثيل موكليه، كما هو مفترض دستورياً، فإن كانت الجمعية جادة فعلا فلتعدل مسار زحمتها، وليكن مجلس الأمة وجهتها المباشرة، والبدء من هناك وتحت قبة عبدالله السالم بتعديل القانون الحالي نحو مزيد من الضمانات للمحامين في مجال دفاعهم عن قضايا موكليهم. ما حدث للمحامي مشعل الخنة حدث سابقاً للمحامي فيصل المطر، وسيحدث غداً للمحامي فلان بن علان، ولا يمكن وصف استخدام النيابة لصلاحيات تملكها قانونا بالتعسف، حتى إن لم يعجبنا أو يعجب جمعية المحامين هذا الأمر، فإن كانت جمعية المحامين ترى تصرف النيابة انتقاصا لحقوق محاميها أو حصانتهم، فكل ما عليها هو الدفع التشريعي لترميم وسد الثغرات في القانون الحالي، بدلا من المعالجة الشعبية للأعراض وترك ثغرة القانون القديم تهدم جسورها وتدخل أعضاءها في «زحمات» لا تُسمن ولا تغني من جوع. الخلاصة: محامينا الكرام: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الحصانة... تشريعاً.