رد فعل أوروبا العنيف المعادي للقومية
ظهرت عبارة «باسم الصداقة» على اللافتات في تظاهرة «نبض أوروبا» الأسبوعية في ساحة برلين قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وكانت أغاني إديث بياف تصدح من مكبرات صوت عملاقة، إذ لا يُعتبر هذا الدعم للاتحاد الأوروبي جديداً، ففي معظم الدول الأوروبية يؤيد التيار السياسي الرئيسي الاتحاد الأوروبي ويتحدث بعبارات جميلة عن التعاون على نطاق القارة. لكننا شهدنا أخيراً تطوراً مختلفاً: نهضة في بعض الأوساط للدعم التكاملي، والعاطفي، والحماسي للوحدة الأوروبية، وتشكّل حركة «نبض أوروبا» التي انطلقت في فرانكفورت في شهر نوفمبر وتسيّر اليوم تظاهرات منتظمة في نحو 120 مدينة في القارة، أحد تجليات هذه النهضة، ومن أوجهها الأخرى نجاح عدد من الشخصيات السياسية الموالية لأوروبا بقوة، ولعل المثال الأبرز لذلك انتصار إيمانويل ماكرون في فرنسا.تنقسم هذه المجموعات السياسية إلى ثلاث فئات: تتألف الأولى من ماكرون وألكسندر فان دير بيلين، زعيم الخضر السابق الذي أصبح رئيس النمسا في شهر يناير، إذ فاز كلاهما في نظام انتخابي من جولتَين تعرض فيه المرشحون الرئيسيون من اليمين واليسار الوسطيَّين للخسارة، مما ترك مرشحاً قومياً (مارين لوبان في فرنسا ونوربرت هوفر في النمسا) ليواجه مرشحاً ليبرالياً موالياً لأوروبا، ولم يفز أي من ماكرون أو فان دير بيلين بتفويض غير واضح، بل على العكس عارض عدد كبير من ناخبيهما بكل بساطة البديل اليميني المتطرف، لكنهما يشكلان جزءاً من «موجة تنمو باطراد من الانتصارات الانتخابية لفكرة أوروبا»، حسبما يوضح جوزيف لينتش، عالم سياسي في فيينا.
تتصدى حركة «تأييد أوروبا» الجديدة في جزء منها لموجة القومية التي تجلت بوضوح في التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتصار ترامب في الولايات المتحدة، كذلك نشهد استياء من الأحزاب الرئيسة التي تبنت مواقف قومية وشعبوية، ففي السويد مثلاً هاجم حزب الوسط بالتحديد المعتدلين اليمينيين الوسطيين لأنهم حاولوا التقرب من اليمين المتطرف، كذلك ندد ماكرون بحزبه الاشتراكي السابق، لأنه استسلم للاقتراحات القومية المطالبة بسحب الجنسية الفرنسية من المُدانين بتهمة الإرهاب ويحملون جنسيتَين. على نحو مماثل حض جيسي كلافر من حزب اليسار الأحضر زملاءه السياسيين: «كونوا موالين لأوروبا تنجحوا في وقف الشعبوية».عندما سُئل غيوم لياجيه، أحد المخططين المبتكرين لحملة ماكرون ومارتن راديابي مدير حملة فان دير بيلين، عن نجاح مرشحيهما، قدّمَا الوصفة ذاتها وهي استهداف مدروس للناخبين، وحملات من بيت إلى بيت، ونوع تقدمي من الوطنية. ولا شك أن داعمَي أوروبا هذين تعلّما بعض الدروس من خصومهما الشعبويين، فعلى غرار لوبان وهوفر تبنيا تقنيات اعتمدها نظراؤهم في دول أخرى، وزادا الضغط على الأحزاب الرئيسة كي تدعم مواقفهما.حتى لو لم تفز المجموعات الصغيرة المؤيدة لأوروبا في الانتخابات، تستطيع، رغم ذلك، التأثير في الأحزاب الكبيرة، ففي بولندا مثلاً شغل حزب «القاعدة المدنية» المساحة التي تركها Nowoczesna (بولندا المعاصرة)، داعماً الاتحاد الأوروبي كرمز لمعارضة الحكومة، وعندما وصل دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي والرئيس السابق «للقاعدة المدنية»، إلى وارسو في 19 أبريل، استقبله في محطة القطار حشد يلوّح بأعلام الاتحاد الأوروبي. على نحو مماثل انحاز مارتن شولتز المرشح اليساري الوسطي لمنصب المستشار الألماني إلى حركة «نبض أوروبا». إذاً من الدروس التي نستمدها من الموجة الشعبوية الأوروبية أن المجموعات الصغيرة إنما المثابرة تستطيع تغيير الأجندة، وإذا أضفنا هذا الواقع إلى فوز ماكرون فلا بد من أن يمنح مؤيدي أوروبا الأمل.