حدد الخبير الاقتصادي عامر التميمي، مجموعة اقتراحات للخروج من المأزق الذي تعيشه دولة الكويت في كتابه "الكويت وسياسات الريع وتحديات الإصلاح"، والذي كان به ضيفا على صالون "كتاب الشهر" الذي تقيمه مكتبة الكويت الوطنية في منتصف كل شهر ميلادي، بحضور نخبة من المهتمين بالشأنين العام والاقتصادي.

ومزج التميمي في كتابه بين المنهجين التاريخي والسردي للوصول في النهاية الى مجموعة من الاقتراحات، أو الوصايا العشر لمواجهة التحديات المتعلقة بالإصلاح.

Ad

في البداية، رحب المدير العام للمكتبة الوطنية، كامل عبدالجليل، بضيف كتاب الشهر الذي يعد واحدا من خبراء الاقتصاد بما يملكه من رؤية شاملة، تصلح في كل زمان ومكان أرضية صلبة للبناء عليها.

وشدد عبدالجليل على أن كتاب التميمي، مرجع لكل الباحثين الراغبين في النهل من منهله الثري في هذا المجال، مما يجعله كتابا ثقافيا من طراز رفيع، لأنه يحمل رسالة تنوير للدولة والمجتمع والناس في الشأن الذي يهم الشعب ويمس قطاعا عريضا منه.

وألقى مدير ندوة "كتاب الشهر"، فيصل عاشور، الضوء على شخصية الضيف، فقال إنه الخبير الاقتصادي والمالي والباحث والكاتب الصحافي الكويتي، عامر ذياب التميمي، الذي يقدم في كتاب الشهر رؤية تصلح لكل الشهور والسنين.

المتغيرات الاجتماعية

واستهل التميمي الندوة قائلا: كنت أتمنى أن يكون غيري هو المتحدث عن هذا الكتاب الذي فكرت في كتابته منذ فترات طويلة ليس بصيغة المحاكمة، بل بصيغة العلاج، ولاسيما أنه من المعاصرين لأول شحنة نفط تم تصديرها للخارج، كما عاش ومازال يعيش كل المتغيرات التي جرت في المجتمع الكويتي، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية.

واستعرض التميمي الواقع الكويتي من مرحلة ما قبل النفط، وما عاناه الشعب الكويتي معيشيا واقتصاديا، ومرحلة ما بعد النفط التي اتصفت بالرفاه وهيمنة الدولة على مختلف النشاطات الاقتصادية، التي همشت دور القطاع الخاص، وأوصلت الاقتصاد الكويتي الى ما وصل إليه حاليا.

وذكر أن الكويت لم تستفد حتى الآن من الإمكانات والقدرات التي تملكها، فضلا عن عدم إيلاء الأهمية اللازمة للتعليم المهني وسعي معظم خريجي الثانوية العامة للحصول على شهادات جامعية.

وشدد على أن المشاركة بين القطاعين العام والخاص الذي كان سائدا في الكويت في مرحلة الخمسينيات كان لها دور كبير في تأسيس شركات ومبادرات مهمة جدا، منها تأسيس الخطوط الجوية الكويتية ومؤسسة البترول الكويتية وغيرهما.

وأشار التميمي إلى أنه جرت اجتهادات لتشجيع الأعمال الصغيرة، وقد أسست "الشركة الكويتية لتطوير المشروعات الصغيرة" في فبراير عام 1972 برأسمال قدره مليون دينار كويتي، بغرض إدارة محفظة مالية، أطلق عليها صندوق الاستثمار الوطني، وذلك بهدف إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالشراكة مع المواطنين الكويتيين في مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن من أقام تلك المنشآت هم الوافدون الذين جلبوا خبراتهم واهتماماتهم العملية معهم، محاولين الاستفادة من تحولات الاقتصاد الكويتي بعد بداية عصر النفط، بطبيعة الحال.

محددات قانونية

ونظرا إلى المحددات القانونية، اضطر هؤلاء للشراكة مع كويتيين، وإن كان ذلك بطرق شكلية أو من خلال نظام الكفالة، حيث يتمتع الكويتيون بتعويضات مجزية من دون تحمل أي مخاطر من تلك الأعمال، وقد نشط الوافدون في مختلف القطاعات الحيوية، وخصوصا في التوزيع السلعي والخدمات الحيوية التي تنامت بعد تحولات الاقتصاد النفطي.

واعتبر التميمي أن عمليات التأميم وهيمنة الدولة على مختلف الأنشطة الاقتصادية هما السبب وراء تحول الاقتصاد الوطني الى اقتصاد ريعي، مستشهدا بالتجارب الاشتراكية العالمية والعربية، بما فيها مصر وسورية.

ورأى أن الحكومة جانبها التوفيق في معظم الحلول التي قدمتها في الحقب السابقة، خصوصا ما يتعلق بأزمة سوق المناخ، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة الاستفادة من التجربة الصعبة التي عايشها الكويتيون خلال الاحتلال العراقي عندما غادر معظم الوافدين وقام الكويتيون بتنفيذ كل الأعمال والنشاطات الاقتصادية.

وطرح التميمي رؤيته للإصلاح الاقتصادي والخروج من مأزق السياسات المالية المتبعة منذ بداية عصر النفط، والتي تفاقمت آثارها السلبية منذ الصدمة النفطية الأولى في عام 1974، وأصبحت عصية على الإصلاح، بعد أن تعطلت جهود التغيير والتطوير كافة الآن، وفي عام 2016 طرحت الحكومة على مجلس الأمة "وثيقة الإصلاح"، وبادرت بطرح مقترحات وأفكار ومشاريع قوانين لمعالجة مواضيع مثل سياسات الدعم للوقود والخدمات، وتمكنت من الحصول على موافقة المجلس على تعديل الرسوم المتعلقة بخدمات المياه والكهرباء.

الوصايا العشر

أوجز التميمي رؤيته الإصلاحية للإقتصاد الكويتي ضمن 10 نقاط وهي كالتالي: أولا: العمل على بناء توافق سياسي اجتماعي على وثيقة إصلاح شاملة من خلال حوار محدد زمنيا، تشارك فيه جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأساسية والمهتمون بالشأن العام ووسائط الإعلام.

ثانيا: يجب أن تعتمد وثيقة الإصلاح على مبادئ عامة أساسية، مثل العدالة والكفاءة وتوظيف الموارد البشرية والطبيعية والمالية بكفاءة متناهية، وبحيث يتم تفادي الهدر بقدر الإمكان.

ثالثا: تحرير الأنشطة الاقتصادية من هيمنة الدولة تملكا أو إرادة، والنهوض بدور القطاع الخاص من أجل تولي مسؤولية ملكية وإدارة المرافق مثل توليد الطاقة الكهربائية أو تقطير المياه وتولي مسؤولية قطاع الإسكان بالكامل.

رابعا: توفير بنية اقتصادية تعتمد على المنافسة الحرة والجدارة في العمل، وقد يتطلب الأمر تمكين شركات أجنبية بالشراكة أجنبية بالشراكة مع شركات وطنية للتنافس في إنجاز الأعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية.

خامسا: أهمية ابتداع سياسات توظيف تتجاوز إجراءات التوظيف المعتمدة في الوقت الحاضر، مثلما يتم من خلال مجلس الخدمة المدنية والتوظيف في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية أو التابعة للقطاع العام، أو سياسات دعم العمالة المعتمدة لتشجيع الكويتيين على العمل في القطاع الخاص.

سادسا: مراجعة السياسات التعليمية السائدة في النظام التعليمي المهني الذي يؤهل لتدفق عمالة وطنية ذات قدرات مهنية مناسبة، تستطيع إدارة وتشغيل العديد من المرافق العامة والخاصة.

سابعا: إصلاح السياسات المالية، من خلال ضبط النمو في الإنفاق الجاري، وخصوصا ما يتعلق بالتوظيف، حيث بلغ الإنفاق على الرواتب والأجور في الموازنة العامة للدولة 9.2 مليارات دينار، مما يعني أن ثمة خللا يتعين الانتباه إليه بجدية وإصلاحه.

ثامنا: ترشيد المصروفات الأخرى من الميزات التي يحظى بها كبار العاملين في الدولة وعدد من أعضاء مجلس الأمة، ومنها نفقات السفر في المهمات، وأهم من ذلك ضرورة ترشيد سياسات دعم البلدان العربية والصديقة.

تاسعا: إصلاح التركيبة السكانية وتعزيز نسبة المواطنين في المجتمع السكاني العام في البلاد، وذلك يتطلب البدء بعملية واسعة النطاق لإصلاح سوق العمل ورفع مساهمة العمالة الوطنية من مستوياتها الراهنة.

عاشرا: لابد أن ينتهج مجلس الوزراء آليات مواتية تهدف الى الإقناع وبذل الجهود الإعلامية لكسب تعاون المواطنين مع عملية الإصلاح أيضا. واختتم التميمي بأن عملية الإصلاح الاقتصادي تتطلب وعيا شاملا وقناعات مجتمعية الى درجة كبيرة، ولذلك فإن إصلاح السياسات المالية يتأتى بالدرجة الأولى، ويفترض أن تحدد هذه الإصلاحات كيفية معالجة أوجه الهدر والفساد في الأنظمة الإدارية الحكومية، وكيفية إنجاز المشاريع بكفاءة وبتكاليف مقبولة ودون تنفيع، ولكي تكسب عملية الإصلاح القبول، لابد من الشفافية في التطبيق وتأكيد أنها عملية عادلة ومتوازنة ولا تهدف إلى تقليص الميزات الساسية للمواطنين، ولكنها تتطلب مساهماتهم في صناعة الثروة الوطنية.