وللحب شياطينه أيضاً!
الحب، وإن كان هودجاً محمولاً على اكتاف الملائكة، إلا أنه محفوف دائما بالشياطين!ترافق الشياطين موكب الحب طوال مسيرته لن تكلّ ولن تمل مهما طالت الرحلة، ستظل بانتظار غفلة وعي من ملائكته، لتنقض على الهودج وتسقطه أرضا، ممرغة كبرياء الحب ونقاءه في التراب، وسيزداد إحساس تلك الشياطين بالانتصار، إن هي تأكدت أنه أصيب بجروح لا شفاء لها أو كسور لا تُجبر، أما إذا ما فارق الحب الحياة، فتلك غاية شياطينه منذ الأصل، وهي في سبيل هذه الغاية لن تتوقف عن مشاغبة ملائكته والكيد لها، وابتكار الدسائس للنيل منها، وشياطين الحب عادة - كما شياطين البشر- أكثر مكراً ودهاء من الملائكة، وهي الأقدر غالباً على نصب الأحابيل والتلون والخداع، لأن تلك هي غريزتها التي خُلقت بها، فيما لا تملك ملائكة الحب سوى خالص يقينها ونقائها ووضوحها وصدقها ونُبلها، وتلك أدوات أثبتت على مر تاريخ الصراع بين ملائكة الحب وشياطينه أنها الأقل فاعلية في حسم الصراع لمصلحة الملائكة، لأن تلك الأدوات، على جمالها، هي ذاتها الثغرات التي تستغلها الشياطين لنفاذ رماحها إلى هودج الحب، لتصيبه في مقتل، فما عسى ملائكة الحب الحاملة هودجه أن تفعل؟! هل تتخلّى عن ملائكيتها و"تتشيطن" بالقدر الذي تحتاجه للدفاع عن موكبها ضد عداء الشياطين؟! هل تحارب الشر بالشر؟! هل تتبع مع الشياطين ذات الأساليب في الخداع والكذب والغيلة والتربص غدراً حتى لا تُهزم؟!
إلا أن السؤال المأزق حقا هو: هل تسلُّح ملائكة الحب بتلك الصفات السيئة يؤهلها لتحظى بشرف حمل الحب؟! وهل يستحق ذاك الحب حينها بأن يعلو وأن يوصف بالسمو، فيما هو مرفوع على أكتاف ملائكة تسكنها الشياطين أو شياطين تتشح برداء الملائكة؟! جاء الجواب على شكل نصيحة زعم من صاغها أنها الوسيلة الوحيدة لنصرة ملائكة الحب، وقد صاغ تلك النصيحة "مزارو"، و"ككزارو"، و"لوزارو" وهم قردة ثلاثة عبَّروا عن تلك النصيحة بالإشارة، حيث غطّى "مزارو" عينيه بمعنى لا ترى شراً، وغطّى "ككزارو" أذنيه أي لا تسمع شراً، أما "لوزارو" فغطى فمه بمعنى لا تنطق شراً!ولقد اختُبرت تلك النصيحة كثيراً، وثبت أن نسبة فشلها ضئيلة جدا، مقارنة بنسبة نجاحها، فقد تبيَّن أن شياطين الحب تنجح في الوصول لغاياتها السيئة فقط حين تجعلنا نرى ما تريدنا أن نرى من شر، فيخيفنا ذلك، ويربك ملائكة الحب فينا، فتخطئ طريقها وتجرّها إلى حيث الفخ المنتظر، أو حين نسمع ما تريدنا أن نسمع من شرّ يضعف يقين ملائكة الحب، فيحدث ذلك ثغرة تتسلل منها أفعى الشك، أو حين تجبرنا على قول الشر، وهذا يعني أننا سقطنا في درن اللغة، ما يجعل ملائكة الحب تعفّ عن اللحاق بنا، خوفاً على نقائها، لنبقى نحن وحبنا في وحل جرنا إليه ما تفوهنا به، كذلك يكبّنا الحب على قلوبنا في الوحل حصاد ألسنتنا!لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم، السلاح الوحيد لهزيمة شياطين الحب، سواء كانت الشياطين من داخل أنفسنا أو خارجها!