في نظرة سريعة من مقر عملك أو أثناء ذهابك إلى الجمعيات التعاونية للتسوق أو المستشفيات لأي مراجعة طبية ستجد كميات كبيرة من البشر الذين تم الاتجار بهم، بعضنا يعلم تفاصيل استغلالهم والبعض لا يعلم.كل العاملين في الوزارات من الفراشين أو عمال النظافة أو عمال المطابخ من الجنسية البنغالية أو الهندية يعيشون ظروفا صعبة، فمعاشاتهم متواضعة تتراوح بين 60 إلى 120 دينارا لمن يعمل 16 ساعة ولمدة 7 أيام! تخيل بعدها أنهم يرجعون إلى سكنهم فيكون 4 إلى 6 أشخاص في الغرفة، ورصيد إجازاتهم 30 يوماً في السنة وهم يدفعون ثمن تذاكرهم لزيارة بلدانهم في الإجازات.
في جميع ما سبق فحش في الظلم ومأساة إنسانية مخيفة، لا تتوقف عند هؤلاء العمال، بل تمتد للعاملين في المستشفيات من أصحاب الشهادات، فهم أيضا يتعرضون أيضا للاتجار بهم، حيث يتم إحضار الممرضين والممرضات من الجنسية الهندية تحديداً شريطة أن يدفعوا 9000 آلاف دينار كويتي عمولة للشركة التي أحضرتهم، وبعد عملهم في الكويت يأخذون هذا القرض، ويتم اقتطاع مبلغ شهري من معاشاتهم لتسديد هذا الدين لمدة لا تقل عن 6 سنوات. والأمر نفسه ينطبق على باقي العاملين في المستشفى من فنيين وصيدلانيين وغيرهم، والعمولة تختلف حسب معاشاتهم، فيتقاضى الممرض ما بين 600 إلى 700 دينار وإن كان متزوجا وأسرته في الكويت يستأجر شقة من راتبه، وهذه تكلف 250 دينارا أخرى كحد أدنى، مما يعني أن المتبقي من المعاش 100 إلى 200 دينار هي الكفيلة بالعيش فقط. طاقم التمريض تحديداً يجب ألا يشعر بأي توتر في مهنته الصعبة والإنسانية، ففرض عمولة باهظة الثمن، ووقوعهم في شرك هذا القرض يجعل من حياتهم جحيما.والمأساة نفسها تنطبق على حراس الأمن في الفنادق ومقار العمل، فساعات عملهم بين ١٣ و١٦ ساعة ورواتبهم لا تتعدى 120 دينارا، بدون وجود أيام راحة ولا إجازات في الأعياد الرسمية، ومن يطلب إجازة ليوم واحد خلال الأسبوع يخصم من راتبه، ومأساة السكن لدى جميع هؤلاء العمال تنعدم فيها الخصوصية.وكبار التجار من أكبر العوائل يتاجرون بالبشر في الكويت، مع أن الاتجار لا يعني بيع شخص وشراءه، بل يعني الاستفادة منه مقابل راتب مناسب لا بيع بأبخس الأسعار.وما يتم في الكويت هو مأساة حقيقية، وإنك حتى بعد قراءتك مقالي في هذا الصيف الحارق، وأنت ذاهب إلى منزلك، ستجد منظرا مؤلما لبائعي الآيس كريم الذين يتكاثرون في المناطق الداخلية، تحت درجات حرارة عالية لا يتحملها بشر، ويجلسون لساعات طويلة ليقدموا لك الآيس كريم بأرخص الأثمان، وأنت داخل سيارتك المكيفة تتذمر من الحر.أشعر بألم يومي أثناء مشاهداتي اليومية لهذه المناظر، في مقر عملي، والجمعية التعاونية والشارع، ففي كل مكان هناك نموذج صارخ لانتهاك إنسانية شخص كل حلمه أن يوفر حياة كريمة لأسرته، معتقدا أن الكويت هذا البلد الثري هي بلد الثراء والأحلام، ولم يكن يعلم أنه فور وصوله سيركن إنسانيته المنتهكة عند بوابة المطار، وسيودع النوم والراحة لسنوات قادمة، ذلك البلد الذي يجود بأياديه البيضاء وفعل الخير حول العالم تمارس فيه أبشع صور انتهاك الإنسانية في حق العمالة الوافدة الكادحة.
قفلة:
انتشرت صورة لشاب من مشاهير التواصل الاجتماعي الشهير بفيديواته السخيفة وجملته "الشباب يغارون مني" وهو مضروب بشكل سافر، ونشر صورته في مواقع التواصل الاجتماعي يشكو "الداخلية" بأنها قامت بضربه وتعنيفه، إن كان هذا حقيقياً فهذا اعتداء صارخ وغير منصف وظالم من رجال الداخلية الذين نصبوا أنفسهم في موقع الراعي المسؤول عن تأديب ماشيته بالضرب لا الإجراءات القانونية، ومنا إلى وزارة الداخلية: نحتاج توضيحا وبيانا رسميا بخصوص هذه الحادثة.