الحكومة وتعدد الزوجات!
يحكي لنا المشهد السياسي قصة زواج سياسي جديد، العريس فيه هو الحكومة كالعادة لكن العروس الصغيرة هذه المرة هي بقايا "المعارضة"، وما دام الزواج وفق قواعد الدستور والأعراف السياسية السائدة فبالتأكيد هو عقد صحيح من حيث الإيجاب والقبول من كلا الطرفين.قرار المعارضة الخجول في المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وجلسة الافتتاح التي شهدت انتخابات الرئاسة ونائب الرئيس وجلسة استجواب رئيس الوزراء، أخرجت هذا الزواج السري إلى العلن، ولم يعد الكثير من نواب المعارضة السابقة يترددون في التصريح رسمياً بأنهم أعلنوا الهدنة مع الحكومة، وحصّنوها من المساءلة السياسية من ناحية، والاعتراف بأنهم خسروا الأغلبية النيابية لإقرار التشريعات التي طالما سموها بالفاسدة والمصادرة للحريات، واكتفوا بصفقة إرجاع بعض الجناسي التي هم تسببوا أساساً في سحبها، وكأن هذا كان هو "صداق" هذا الزواج.
الحكومة بدورها ترحب بمثل هذا الزواج لإيمانها العميق بتعدد الزوجات، فهو رد اعتبار لهيبتها وإحساسها بأنها رب البيت والآمر الناهي، كما أنها تحل بعض المشاكل وخصوصاً بعد تلبية بعض طلبات العروس الجديدة والمدللة، لا سيما أن المعرس "مليان" و"عنده خير" وعنده واسطة و"ما يرد له طلب".لكن مشكلة تعدد الزوجات تكمن في الغيرة بين الضرائر، فالحكومة عندها "أم العيال"، وهي الكتلة الحكومية التقليدية والمخلصة في البرلمان عبر التاريخ، وهي بذلك الأصلية، وستكون غيورة في حالة اقتسام مزاياها مع أي ضرة جديدة، وقد تقبل الأمر الواقع، ولكنها تظل "تحن" وتزيد في مطالبها، في حين تحاول أن توقع بين "أبو العيال" والقادمة الجديدة، وتجربتها الطويلة تقول إن الحكومة مهما ابتعدت عنها وارتبطت بغيرها فإن هذا الارتباط يكون مؤقتاً، وقد ينتهي لأي خلاف، خصوصاً أن الزواج السياسي مبني على تفاهات محددة، وينتهي بعد انتهاء المصلحة.هذه ليست المرة الأولى التي تعقد فيها الحكومة صفقة سياسية مع تيار سياسي أو شخصيات نيابية، إما لتمرير بعض المشاريع أو للخروج من مأزق سياسي، ولتذهب بعدها هذه الشخصيات أو التيارات بغير رجعة أو "دفعة مردي"، والتجارب السياسية عبر التاريخ عامرة بمثل هذه التحالفات والتكتيكات المؤقتة، فتارة ترتبط الحكومة بالقبائل وتارة بالتيار الليبرالي، وفي حالات أخرى تتحالف مع الشيعة ثم تبدلهم بالتيارات الدينية، وكأنها تقول هذا مؤخر الصداق والوجه من الوجه أبيض!في كل الأحوال تظل الأولى هي الوفية والباقية في ذمتها لأنها ذات كلفة أقل، ولا تتعدى مصلحتها سوى اهتماماتها الشخصية بعيداً عن سياسات الحكومة التي تبصم معها سواءً كانت في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، كما أن كتلتها الوفية لا تمثل تياراً سياسياً مخيفاً، بل تتنوع في تركيبتها لتشمل مختلف المكونات الكويتية، والحكومة في النهاية مضطرة للميل كل الميل مع "أم العيال"، وإن كانت عليها تحمل الصداع و"الحنة والرنة" لفترة من الزمن، أما النتيجة النهائية المؤكدة فهي ضياع أولاد كل الضرائر، وهم عموم الشعب، فلا عناية ولا اهتمام ولا مستقبل ما دامت الزوجات يعشن في العسل ولو لبعض الوقت!