مغامرة صدام حسين الحربية غير المحسوبة ضد دولة الكويت، وعدم قراءته للتحولات السياسية الكبيرة التي طرأت على العالم آنذاك باتجاه القطبية الواحدة بزعامة أميركا وزوال المعسكر الاشتراكي، أودت به وبنظامه، ومهدت لمرحلة جديدة ونظام جديد. ولم يكن القادة والزعماء الجدد أحسن حالا منه، بل ساروا على نهجه في قراءتهم للواقع المتغير، وعدم تقديرهم لعامل الوقت في اتخاذ القرارات المصيرية بشأن البلد، منهم زعماء السنّة الذين ارتكبوا خطأ تاريخيا عندما نـأوا بأنفسهم عن المشاركة في تشكيلة الحكومتين الانتقالية عام 2003 والمؤقتة عام 2005، وفضلوا الانسحاب من الساحة السياسية تاركين إدارة البلد لعدويهم التقليديين "الشيعة والأكراد" اللذين شكلا لوحدهما حكومة شراكة وطنية، وأخطؤوا أيضا عندما قاطعوا الانتخابات التشريعية عام 2005، وخرجوا عن الإجماع العراقي والعالمي المؤيد للنظام الجديد، وبذلك فوتوا على أنفسهم وعلى العراقيين فرصة تاريخية لبناء الدولة على أساس الشراكة الحقيقية، وتحمل أعباء المسؤولية.
وقد أحسوا فيما بعد بخطئهم الفادح هذا، ولكن بعد أن خسروا الكثير وأبعدوا عن الأضواء، وعرفوا أنهم يعومون ضد التيار، وكذلك فعل القادة الكرد، فقد كرروا الأخطاء نفسها التي ارتكبها السنّة ولكن بطريقة أخرى، فقد سنحت لهم فرص عديدة في العراق الجديد للإنهاض بالبلاد وتغيير وجهها السياسي وترسيخ الديمقراطية الحقيقية في مؤسساتها وتحقيق مكاسب قومية من خلال إصرارهم "الفعلي" لا "النظري" على تطبيق مواد الدستور الوثيقة القانونية الأسمى التي صوّت عليها 80% من الشعب العراقي، وعدم انجرارهم وراء الوعود الزائفة التي كان يقدمها لهم الشريك الشيعي الذي توسموا فيه خيرا، وظنوا أنهم يستطيعون أن يؤثروا عليه في إرجاع المناطق المقتطعة من كردستان من خلال المادة 140 الدستورية، ولكنهم كانوا مخطئين جدا وخائبين في معرفة ما يجول في خاطره من مخطط توسعي. ولم تظهر لهم الحقيقة إلا عندما كشّر هذا الشريك عن أنيابه للانقضاض على المكاسب التي حققها الشعب الكردي منذ انسحاب الجيش العراقي عام 1991، لم يكن قادة الكرد على مستوى المسؤولية عندما مكنوا هؤلاء الطائفيين من إحكام قبضتهم على السلطة، وسمحوا لهم بالتغلغل في مفاصل الدولة الأساسية كالأخطبوط، وسلموهم مقاليد البلاد على طبق من ذهب، ولم يكونوا على مستوى المسؤولية أيضاً عندما وثقوا بهم ثقة عمياء، وانجروا وراءهم كتابع على الرغم من معرفة حقيقتهم فيما بعد، واتضاح أنهم ليسوا أهلا للثقة، ولا يؤتمن جانبهم. فهم يستخدمون أي شيء للوصول إلى غاياتهم وأهدافهم السياسية، ويسلكون كل الطرق لتوسيع نفوذهم، وقد استطاعوا أن يحققوا جزءا كبيرا من تلك الأهداف، ويتغلبوا على كل العوائق التي تقف في طريقهم، ولكن بقي أمامهم عائق أخير هو الأصعب مازال يقف حائلا بينهم وبين وصولهم إلى هدفهم النهائي وهو العائق الكردي، وقد حاولوا بكل الطرق؛ الاقتصادية والسياسية إزاحته عن طريقهم، ولكن عجزوا، ولم يبق أمامهم إلا استعمال القوة، وهذا ما يلوح به زعماء ميليشيات داخل الحشد الشعبي بين فترة وأخرى ضد إقليم كردستان، وآخر هذه التهديدات أطلقها رئيس ميليشيا عصائب أهل الحق "قيس الخزعلي" المدعوم من إيران عندما قال: "إن الكرد سيمثلون المشكلة الكبرى في العراق في مرحلة ما بعد داعش". وبرأي معظم المحللين أن المنطقة ستشهد مواجهة دامية بين تلك الميليشيات وبين القوات الكردية "البيشمركة"، وخصوصاً حول الأراضي المتنازع عليها، والتي لم يحسم أمرها حتى الآن وفق الدستور، وستشهد المنطقة مجدداً صراعاً دامياً قد يكون الأصعب والأشد ضراوة وفتكا من ذي قبل! * كاتب عراقي
مقالات - اضافات
قراءات سياسية غير صحيحة أودت بالعراق
19-05-2017