قبل الانتخابات ببضعة أيام حاولت التعمّق في ميل ترامب الغريب إلى بوتين والصلات المختلفة التي جمعت أعضاء من حملته بأشخاص من روسيا، لكن التفسير الأفضل الذي توصلت إليه يرتبط بما يدعوه الروس "بوليزني دوراك" أي "الغبي المفيد". يصف هذا المصطلح الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية شخصاً ساذجاً يزدري به الكرملين عادةً، إلا أنه يستطيع حضه على إنجاز المهام نيابة عنه، وبعد ستة أشهر يؤسفني أن أقول إن مصطلح "الغبي المفيد" ما زال وصفاً ملائماً اليوم،
إذ يواصل ترامب رفض الاستنتاج أن روسيا تدخلت في العملية الانتخابية الأميركية، ففي الأسبوع الماضي كان أفضل ما توصل إليه طرح هذه الفكرة كافتراض ذاكراً "في حال تدخلت روسيا".من الطبيعي أن يؤدي موقفه هذا إلى توتر العلاقات بينه وبين المجتمع الاستخباراتي، وما يزيد الطين بلة اتهامات الرئيس المتواصلة التي لا أساس لها من الصحة بأن هذا المجتمع تجسس على حملته.يحتل الروس اليوم محور مسألة أخرى مثيرة للجدل، إلا أن هذه المسألة من صنع الرئيس بالكامل، فقد أشارت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن الرئيس كشف عن معلومات عالية الحساسية بشأن داعش للسفير الروسي سيرغي كيسلياك ووزير الخارجية سيرغي لافروف خلال لقاء في المكتب الرئاسي في البيت الأبيض.تشكّل الحوكمة مجالاً جديداً بالكامل بالنسبة إلى ترامب الذي يعتبر أحد أقل الرؤساء خبرةً في تاريخ الأمة، ولكن رغم تجاربه المحدودة يبدو عاجزاً عن الإعراب عن التواضع أمام قلة خبرة مماثلة، فتُجمع التقارير على أن الرئيس يفتقر إلى الصبر في تعاطيه مع عمليات المعالجة والدراسة، يبدو واثقاً دوماً من معرفته وحدسه، ولا يبالي بمؤسسات الحكومة المصممة لمساعدته على النجاح أو ربما يستخف بها.مرة أخرى سارع البيت الأبيض إلى الدفاع عن الرئيس، فأعلن مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ومساعدته دينا باول أن الرئيس لم يكشف أي مصادر أو أساليب بالتحديد، وأكدا أن مقال صحيفة "واشنطن بوست" "عارٍ عن الصحة".لكن الجدل حول ما ذكره الرئيس بالتحديد أو ما لم يفصح عنه ما عاد مهماً، بعدما غرّد الرئيس ذاكراً أنه يستطيع أن يفعل ما يحلو له في ظروف مماثلة، ولا شك أن ماكماستر وباول انزعجا كثيراً من إقحامهما في وضع مماثل، ونأمل ألا يتكرر هذا الأمر كثيراً.لا شك أن الفساد المحيط بالرئيس مقلق، بما أن المتحدثين باسمه يُضطرون دوماً إلى الدفاع عما يجب ألا يدافعوا عنه، وينبغي لفريق الأمن القومي ألا يسمح بتعريضه لمواقف مماثلة، أضف إلى ذلك مسألة تسريب المعلومات بحد ذاتها. مَن أخبر الصحيفة عن اللقاء؟ يشير المدافعون عن الرئيس إلى عناصر داكنة في الدولة العميقة أو عناصر متبقية من عهد أوباما، ولكن ربما هنالك تفسيرات بديلة، وربما تتخطى هذه المسألة المكر ومحاولة العرقلة.تشير بعض التقارير إلى أن موظفي مجلس الأمن القومي قلقوا كثيراً حيال ما كشفه الرئيس، حتى إنهم شعروا بضرورة أن يحذروا وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، ومن الواضح أن أحداً في الحكومة خشي الضرر المحتمل، وبعد انتشار هذا الخبر من السهل أن نتخيل حالة الذعر بين مسؤولي الحكومة الذين يزدادون انزعاجاً من اضطرارهم إلى احتواء عواقب ما يرونه هفوات رئاسية.ستحاول الإدارة على الأرجح ملاحقة عدد من أولئك الأشخاص أو على الأقل مَن تحدثوا إلى الصحيفة، وتبقى التسريبات تسريبات في مطلق الأحوال، لكننا نأمل أيضاً أن تولي الإدارة اهتماماً كبيراً لجعل رئيسنا أكثر دراية واستعداداً وأكثر انفتاحاً على العمليات والبروتوكولات التي ضبطت سلوك مَن تبوءوا هذا المنصب الرفيع.*مايكل هايدن* «واشنطن بوست»
مقالات - اضافات
ترامب يبرهن أنه «الغبي المفيد» لروسيا
19-05-2017