6/6 : استحالة الممكن
مع احترامي لكل موظف عام نزيه ومنتج، إلا أننا تفوقنا في الكويت، وخاصة في الدوائر الحكومية، على أسوأ الدول بمقاييس البيروقراطية والتخلف الإداري، وأضفنا نكهات خاصة بنا على كل صنف من أصناف التعقيد الإداري الممارَس في أي دولة متخلفة، حيث يتفنن غالبية موظفي الأجهزة الحكومية، وخاصة الكويتيين منهم، "بتصعيب السهل واستحالة الممكن"! واسألوا في ذلك كل من ساقه حظه العاثر لمراجعة وزارة ما أو هيئة حكومية، للحصول على خدمة أو إنهاء معاملة، والتي تشترط في غالبها مثول المواطن شخصياً أمام الموظف الحكومي، حاملاً بطاقته المدنية الأصلية لكل معاملة، مهما صغرت، حيث تعد طوق نجاة له من إزهاق روح معاملته ورفضها والطلب منه العودة لإحضارها، والتي قد تكون في دائرة حكومية أخرى ينهي بها مندوبه معاملة مختلفة تطلبت نفس البطاقة السحرية. يَمْثُل المواطن مجبراً أمام حضرة الموظف الحكومي المتجهم والمتبرم "واللي ماله خلق" رؤية وجوه مُراجعيه، وتتم جرجرته وبهدلته بأروقة الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وتغطيسه بأكوام الثبوتيات والنماذج والطوابع وأرقام الانتظار التي يتاجر بها عمال النظافة، فقط لأنه تجرأ وطلب الإسراع بإنهاء معاملته التي لم تنفذها له الحكومة الإلكترونية التي صدعنا بالسماع عنها كبار المسؤولين، الذين نتمنى عليهم القيام بزيارة عشوائية واحدة لمجمع الوزارات أو الحكومة مول ببرج التحرير، لمشاهدة ملصقات "السيستم مو شغال" وتنبيهات "أن لا معاملات بعد العاشرة صباحاً"، لعدم إرهاق جيش الموظفين العاطلين أمام طوابير لا نهاية لها من المراجعين المعذبين في الأرض!الحديث في الكويت عن الحكومة الإلكترونية والشباك الواحد والتطوير الإداري، كالحديث عن أساطير "الغول والعنقاء والخل الوفي" في زمن قطعت فيه دول الخليج أشواطاً في العبقرية الإجرائية وتخليص المعاملات، ونحن ما زلنا أسرى التشابك بين الوزارات والهيئات وطغيان الدورات المستندية العقيمة وتراكم عدد الإمضاءات والأختام على المعاملات، وما زلنا نصارع التنقل بين المباني الحكومية المبعثرة بين الرقعي والضجيج والصليبية والرميثية والمرقاب واللهث فيها بدرجات حرارة 53 مئوية في يوم صيام عصيب، ثم نعود لمقر الحكومة مول، لنجد نصف الموظفين بالعمرة والنصف الآخر يتوضؤون لصلاة الظهر ويتلون القرآن في المصلى حتى العصر، والكل يردد "أنا كويتي وأفتخر" بكم معاملة عرقلت، لا كم معاملة سهلت وأنجزت، دون أن أطلب خط إيزي من الحانوت المجاور!
***همسة:- تحية لسمو رئيس مجلس الوزراء، لظهوره الأول في حوار تلفزيوني مطول بالبرنامج المتميز "أصحاب السلطة" بتلفزيون المجلس لا بالتلفزيون الحكومي، وهو ظهور له دلالته الطيبة، وتهنئة للإعلاميين الشابين عثمان محمد العنجري وفهد أحمد الرحماني، لتحقيق هذا السبق الإعلامي، بغض النظر عن بعض التعليقات التي تلت اللقاء حول مضمون وأبعاد الحوار.المهم هو حديث سمو الرئيس للناس مباشرة، ونأمل من سموه إفساح المجال للمزيد من الحوارات معه ومع نوابه وبقية المسؤولين الذين لا نسمع صوتهم إلا عند أدائهم القسم، ولا يبوحون برؤاهم إلا لخاصّتَهم الأقربين.