في مقال اليوم، وهو الأخير في سلسلة المقالات عن تاريخ إثيوبيا العريق، سنتحدث عن آخر أباطرة إثيوبيا الذي انتهى حكمه عام 1974، وهو الإمبراطور "هيلا سيلاسي" (وتعني قوة الثالوث). اسمه الحقيقي "تفري ماكونن"، وهو ابن الرأس (الأمير) "ماكونن" الذي كان حاكماً على "هرر" أغنى الأقاليم الإثيوبية بدون جدال، والذي كان يملك الأراضي الشاسعة الغنية بمعادنها وحاصلاتها الزراعية. جده "وازبروتانا" ووالد جده الملك "سهلا سيلاسي" الذي ولد عام 1795 وعين ملكاً سنة 1813 ومات عام 1847 وله ستة أولاد منهم هيلا ملاكوت. ولد في عام 1881 أو 1891، وتلقى علومه الأولى على النمط الأوروبي على يد رهبان فرنسيين يقيمون في مدينة "هرر"؛ فتثقف تثقيفاً رفيعاً، وتعلم اللغة الفرنسية وأخذ يتحدث بها بطلاقة، ولا يمل من دراسة تاريخ بلاده وأدبها، وعلى اتصال بأدباء وعلماء في القارة الأوروبية. وبعد ذلك قضى هيلا سيلاسي سنوات عديدة في بلاط أديس أبابا تحت إشراف الإمبراطور "منليك الثاني"، وكان زميلاً في الدراسة لحفيد منليك الإمبراطور "ليج ياسو" بإشراف حنا صليب بك مدير معارف إثيوبيا وناظر مدرستها. عينه الإمبراطور منليك حاكماً على ولاية "سيدامو"، ثم انتقل إلى ولاية هرر التي كان والده حاكماً عليها قبل ذلك. وكان تفري يخشى ليج ياسو الذي كان متعاطفاً جداً مع المسلمين، فدبر مؤامرة ضده وسار بجيش تعداده عشرة آلاف جندي وخلع ياسو من الحكم في 26 ديسمبر 1916، وتم تعيين خالته الأميرة أوزير زوديتو إمبراطورة، والرأس تفري نائباً لها ومنفذاً لأوامرها. إلا أن الأمور لم تستقر بعد عشر سنوات تقريباً، فقامت ثورة في أديس أبابا سنة 1927 ضد الرأس تفري بقيادة الرأس "جوكسا أوليه" زوج الإمبراطورة زوديتو، لكن تفري استطاع أن يقمعها ويقتل جوكسا، وماتت بعد عدة أيام الإمبراطورة زوديتو مسمومة، فنودي بالرأس تفري ملكاً في ذلك العام، ثم إمبراطوراً على إثيوبيا عام 1930 ولقب بـ "هيلا سيلاسي". وفيما يتعلق بحياته الاجتماعية، فقد تزوج عام 1912 من الأميرة "وازيرو منن" وله من الأبناء والبنات ما يلي: ماميتي (توفيت طفلة)- اصفاوصين (ولد في عام 1916) – زينب ورك (ولدت 1918) – يشي امابت (ولدت عام 1920) – ماكونن (ولد عام 1923). يقول أحد المؤرخين عنه "الرجل مستقيم في كلامه، بسيط في معيشته، بشوش، مجامل، ضئيل الجسم، يقرب لون بشرته من لون العاج، ساميٌّ في تقاطيع وجهه وملامحه، لا يعرف غير العمل المتواصل المضني، فهو يُكب على عمله من الصباح الباكر إلى ساعة متأخرة من الليل، شديد الشغف بالقراءة والاطلاع على المؤلفات وعلى الأخص العلمية منها"، وقد استطاعت إيطاليا احتلال إثيوبيا في عهده وإسقاط حكمه عام 1936، لكنه عاد إلى الحكم بعد خمس سنوات بدعم الإنكليز. وهو الذي وضع دستوراً للبلاد قبل الاحتلال الإيطالي، ثم قام بتعديله بعد أن عاد إلى الحكم. وفي عام 1974 قامت ثورة شيوعية ضده بقيادة منغيستو هيلا مريام وتم خلعه من الحكم واحتجازه في قصره، وتوفي في ظروف غامضة في عام 1975، لكنه لم يدفن إلا في عام 2000.

Ad