ترامب وأهدافه في المنطقة
الرحلة الخارجية الأولى للرئيس ترامب تنطلق من الرياض والقدس، وهي رحلة ذات دلالة، كأنها إشارة تهدف إلى أن سياسة باراك أوباما الخارجية قد أصبحت شيئا من الماضي، صحيح أن أوباما كان من بين بداياته زيارته إلى الشرق الأوسط، لكن خط رحلته لم يتضمن إسرائيل، مما سبب تباعداً في العلاقات مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفي القاهرة قرر أوباما التحدث بلغة وضعت أسساً جديدة لعلاقة متوترة مع الأنظمة السياسية التقليدية الحاكمة، ففي خطابه التاريخي الذي حمل عنوان "بداية جديدة"، والذي لم تستوعب أبعادَه وقتئذ قيادات المنطقة، وانتهى الأمر إلى الزلزال الذي أطاح ببعضها وهز بعروش البقية.وإذا كان أوباما قد أراد مخاطبة المسلمين الذين يفوق عددهم المليار نسمة في العالم، فإن ترامب سيخاطب قادتهم، وهذا أمر يفضّله بالتأكيد، ومن المرجح أن تكون صورة الرئيس الأميركي محاطاً بعدد كبير من القادة المسلمين "الدليل الرئيسي" على أحد أهدافه المهمة.وتبعث أيضاً زيارة ترامب لإسرائيل خلال رحلته الأولى إلى الخارج، رسالة قوية حول الأهمية التي يوليها الرئيس الأميركي للشراكة مع القدس، لذا يمكن أن نلحظ التوازن الذي تنطوي عليه هذه الرحلة، واللافت للنظر أنها تبدو كأنها تساوي ما بين زيارة دولة الحرمين الأقدسين في الإسلام، والتوقف ليلة واحدة في الدولة اليهودية الوحيدة في العالم.
المتوقع أن الرئيس ترامب سيحاول الاستفادة من اجتماعه مع القادة المسلمين في الرياض لاقتراح شراكة جديدة تتصدى للخطر الثنائي من وجهة نظره المتمثلة بجماعات التطرّف التي تهدد السلام والأمن في العالم، أي الجهادية السنية لتنظيمي "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" وما شابههما من التنظيمات الفاعلة الفرعية والحركات والجماعات ذات الفكر المماثل من جهة، وإيران والجماعات والميليشيات التي تتزعمها وتقودها من جهة أخرى.ليس من المتوقع أن ترقى هذه الشراكة إلى مستوى معاهدة متكاملة، بل من المتوقع أن تظل في إطار إعلان مطاط غير محدد، وإن كان من الممكن أن تتألف من عدة مكونات عسكرية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية وتعليمية وثقافية في طيات هذا الإطار غير المحدد الملامح.قد يربط ترامب أيضا بين اجتماعاته في الرياض وبروكسل من أجل ضمان الحصول على وعود من مضيفيه العرب وشركائه في حلف "الناتو"، ببذل جهود منسقة من كل المعنيين لترتيب الأوضاع في الأراضي التي ستحرّر قريباً من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق سورية وغرب العراق. من المتوقع أن يحاول ترامب أن يستغل نفوذه السياسي للحث على تحقيق تحرك بين إسرائيل والفلسطينيين، وإن كان من غير المتوقع أن يتجاوز الإنجاز حدود إعادة إطلاق المفاوضات المباشرة بين الطرفين، ورغم محدودية الإنجاز فقد يرغب كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كسب المكانة السياسية والقبول الدبلوماسي اللذين يتأتيان عن خوض محادثات السلام، ولذلك من المحتمل أن يُسكتا نقّادهما في الداخل لتحقيق هذه المكاسب.وقد يكون من المناسب هنا الإشارة إلى ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر سياسية وصفتها بأنها رفيعة المستوى، بأن دولا خليجية وفي مقدمتها، السعودية، قامت ببلورة مبادرةٍ جديدةٍ تقترح أن تقوم هذه الدول بعددٍ من خطوات التطبيع مع إسرائيل كفتح قنوات اتصال مباشر معها، وإمكانية تحليق الطيران التجاري الإسرائيلي في أجواء هذه الدول، وفي المُقابل تُوافق إسرائيل على تجميد الاستيطان بشكل جزئيٍّ في الضفة الغربية المحتلة، مع تسهيل إدخال البضائع من إسرائيل إلى قطاع غزّة، على حد تعبير المصادر السياسية في واشنطن.