بالعربي المشرمح: فن المستحيل في زمن المستحيل!
بعد أن حاز سمو الرئيس وحكومته ثقة الأمة في استجوابين منفصلين علينا أن نقر بأن الخلل ليس في حكومتنا، وأن الحديث عن فسادها وسوء إدارتها مجرد تكسب انتخابي، وطريق يسلكه البعض لكي يحقق من خلاله مصلحة خاصة، وأن الفساد الحقيقي هو فساد المجتمع من خلال اختياره ممثلين أقصى طموحهم البقاء على الكرسي الأخضر، حتى إن أصبحوا شركاء في الفساد أو حماة له على حساب الوطن والدستور.والغريب أن من منح الحكومة الثقة هم من أساء لها، وهم من اتهمها بالفساد وسوء الإدارة، وأنها لا تستحق ثقة الأمة للاستمرار في إدارة شؤون البلاد والعباد، والأغرب أنهم يتبجحون علناً بالتعاون معها بحجة "فن الممكن" من خلال صفقة قد أبرموها، مقابل تعطيلهم أحد أهم حقوقهم ألا وهو المراقبة والمساءلة السياسية التي منحها لهم الدستور. والأكثر غرابة أننا مازلنا كمواطنين لا نعرف تفاصيل هذه الصفقة وآلية تطبيقها، كما أن الحكومة ذاتها لم تعلنها لا تصريحاً ولا تلميحاً، فكل من يتحدث عن هذه الصفقة هم دعاة الإصلاح ومؤيدوهم من بقايا من ادعوا المعارضة، لأن أي اتفاق أو صفقة بين طرفي الصراع يجب أن يعرف الشعب تفاصيلهما بشفافية، حتى لا يكون هناك مكان للتأويل والشك في شبهة التكسب الفردي أو الحزبي، كما نراه اليوم من تشكيك في مواقف النواب الذين حصنوا الحكومة وقدموا التنازلات لها دون مقابل يذكر حتى يومنا هذا.
أما الحديث عن عودة الجناسي للأسر المظلومة مقابل تحصين الحكومة فهو أمر، إن صح، خطير، وعبث فاق عبث الحكومة والمعارضة في السابق، وخطأ كارثي يضاف إلى جملة الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة سابقاً في صراعها العبثي مع الحكومة، ولا يمكن وصفه في علم السياسة بفن الممكن، حيث تُعرَف السياسة بأنها "فن الممكن"، أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا، وليس الخطأ الشائع القاضي بأن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة. والتبرير بهذه الحجة تبرير ساذج وغير منطقي، حتى إن كان صحيحاً وعادت جناسي لمن سُحِبت منهم دون وجود ضمان بعدم سحبها مجدداً أو سحبها من أي مواطن آخر للأسباب ذاتها، ودون رقابة القضاء على السحب، بمعنى كان الأوجب أن تحصن المواطَنة قبل تحصين الحكومة حتى نحمي المجتمع من هذا السلاح الخطير الذي أصبح سيفاً على رقاب المواطنين، لا سلطة لردعه سوى ضمير الحكومة الذي كانت المعارضة تصفه بالمعدوم، ودون القضاء على الفساد ومكوناته، ودون تفعيل الدستور الذي يضمن للمعارضة فعل كل ذلك.يعني بالعربي المشرمح: "فن الممكن" في علم السياسة هو إصلاح ما يمكن إصلاحه، وفقاً لما هو متاح وبطرق مشروعة وشرعية ودستورية، لا وفق "الغاية تبرر الوسيلة" أو وفق نظرية "اللي تكسب به العب به"، فهذا هو العبث الذي ما زلنا نمارسه؛ لذلك لن نغير من أمرنا شيئاً، وباعتقادي أننا ما زلنا في المجهول ومتوجهين للمجهول أيضاً بهذا العمل العبثي، بعد أن تحولت المعارضة من "فن الممكن في زمن الممكن"، حين كانت بقوتها إلى "فن المستحيل في زمن المستحيل".