قبل قرابة عشر سنوات، توفي الدكتور أحمد الربعي، وكان قد حذرنا قبلها من الفساد وخطره الداخلي، الذي يفوق خطر العدو صدام حسين، الخارجي، ونبه إلى دوره الكبير في نخر المجتمعات والقضاء على الدول، قال رحمه الله هذا الكلام حين كان الفساد خجولاً، والفاسدون يستحون من إظهار فسادهم، فقد كنا في زمان سبق نحارب الفساد قدر استطاعتنا. أما اليوم، فنرجو السلامة، بعد أن صار هو من يحاربنا، وبكل بجاحة وقوة عين، واستطاعته وقدراته أكبر وأقوى منا بكثير جداً، لدرجة تصل إلى أنك قد تواجه تهمة ممارسة التمييز العنصري ضد الفاسدين إذا ما انتقدت أو كشفت أحدهم، لا سمح الله!فالبنية التحتية اكتملت، ولم يتبقَّ إلا مرحلة التشطيبات النهائية لاكتمال المنظومة على أكمل وجه. فإن كنا نتطلع في يوم من الأيام لنظام سياسي قائم على مبدأ توازن السلطات وتعاونها، فقد تحقق لنا ما نريد وأكثر، فأصبحت السلطات متوازنة ومتعاونة أكثر في مسألة السكوت والمداراة عن فساد وتجاوزات بعضها البعض، وصار الفساد مؤسسياً وفق الدستور والقوانين واللوائح المنظمة، والحمدلله، فأصبحنا بدلاً من إصدار التشريعات للتنظيم، أو لمعالجة خلل أو نقص، أو لمواكبة التطورات في العالم، صرنا نصدرها لشرعنة أوضاع مخالفة أو تسهيل إجراءات باطلة. وأما التعاون الرقابي فجارٍ على قدم وساق، وعلى كل المستويات أفقياً وعمودياً، فلا أحد يحاسب أو ينتقد فساد الآخر، خوفاً من أن يقوم الآخر بمحاسبته وفتح ملفاته أو تعطيلها في أشرف الأحوال، ولا عليكم ممن يرفع صوته هنا أو هناك، مدعياً النزاهة والأمانة ومحاربة الفساد والإفساد والفاسدين، فهو غالباً لم يفعل ذلك إلا لأنهم قد عطلوا إجراءات فساد أحد المقربين منه أو المحسوبين عليه، إلا من رحم ربي، وهكذا يجري العمل والتعاون المشترك بين السلطات لتسيير الأعمال وتمرير الأيام، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
أما بالنسبة للناس، فهي على دين حكوماتها ومجالسها، شريكة ومغلوبة على أمرها في نفس الوقت، تغض الطرف عن الفساد القريب وتطيل لسانها على البعيد، وكلما حاولت تحسين اختياراتها اكتشفت أن الخيار واحد مهما تغيرت الوجوه والأسماء، فصارت تقبل وتبرر الفساد الأصغر ليحارب لها الفساد الأكبر، أو يشفي غليلها منه حيناً، ولتستفيد منه أحياناً أخرى.
أخر كلام
نقطة: توازنات الفساد الوقحة
20-05-2017