توجد أدلة متزايدة على أن الصين عمدت أخيراً الى التراجع عن طفرة الاقتراض وهي خطوة مهمة للعديد من الأسباب ليس أقلها المساهمة في خفض الخطر وتفادي أزمة مالية محتملة، ولكن السؤال هو: هل تستطيع حكومة بكين تحمل تبعات هذه الخطوة في المستقبل؟وتدرك الجهات التنظيمية في الصين الأخطار التي يمثلها هذا المسار المفرط، وقد حاولت في مرات عديدة خلال السنوات الماضية الحد من هذا الاندفاع المثير للقلق، وعلى الرغم من ذلك فشلت تلك الجهات بصورة روتينية في التحكم في سلوك المسؤولين المحليين الذين يحصلون على ترقيات نتيجة اسهامهم في تحسين النمو الاقتصادي من دون النظر الى الأخطار المنهجية التي قد تنجم عن التعويل على الديون.
ويبرز الدليل على أن الحال مختلف في هذه المرة، فقد انخفض الاقراض من بنك الشعب الصيني الى البنوك المحلية بعدما ارتفع بنسبة وصلت الى 243 في المئة في الفترة ما بين شهر ديسمبر 2015 وحتى شهر يناير الماضي، بنسبة 12 في المئة خلال الشهرين الماضيين، كما أن نسبة القروض للشركات غير المالية ارتفعت بصورة معتدلة لتصل الى 7.3 في المئة عن معدلات شهر مارس سنة 2016 وهي وتيرة أكثر بطئاً من النمو الاسمي للناتج المحلي الاجمالي، وعلى الرغم من أن هذا أعقب زيادة ضخمة في الائتمان خلال النصف الأول من العام الماضي فإنه يظهر حدوث تقدم حقيقي على أي حال.المؤشر الجيد الآخر كان قدرة الحكومة على التحكم في الأعمال المصرفية الوهمية أو ما يعرف باسم أنشطة الظل، فقد انخفض اصدار منتجات ادارة الثروة الخطيرة بنسبة 18 في المئة في شهر أبريل عن مارس مع تعرض البنوك وشركات التأمين لضغوط من أجل تخفيف التعويل عليها، ونظراً لضخامة هذا القطاع الذي يشتمل على ثروة تقدر بأكثر من 4 تريليونات دولار تعتبر السيطرة عليه حيوية جداً في أي عملية ضغط.
خفض أسعار الأصول
وكما كان متوقعاً فقد أفضت هذه الاصلاحات الى خفض أسعار الأصول وتحولت كل الأسهم والسندات والسلع والعقارات الى المربع السلبي بشكل كبير، وقد ارتفعت معدلات الفائدة وألحقت خسائر بسندات المستثمرين، كما أن تخصيص الأسهم والسلع في منتجات ادارة الثروة كانت عند أدنى مستوياتها منذ حوالي سنة ما زاد من الضغط على الأسعار.وربما تمضي الأمور نحو الأسوأ، فقد ارتفعت الطاقة الصناعية بقوة، بينما استقر نمو الطلب، وهبطت أسعار الفولاذ بنسبة 8 في المئة فقط عن أعلى مستوياتها في هذه السنة وتظل مرتفعة بنسبة 91 في المئة منذ شهر ديسمبر من عام 2015، وعلى الرغم من ذلك كان لهذا الهبوط الطفيف تأثيره الكبير، وفي شهر مارس الماضي عندما وصلت الأسعار الى ذروتها أعلنت شركة هيبي للفولاذ عن تحقيق أرباح بلغت 66 في المئة.واذا كان هبوط الأسعار بنسبة 8 في المئة يفضي الى انخفاض بحوالي 19 نقطة مئوية في عدد شركات الفولاذ الرابحة فإن المزيد من الهبوط الخطير في الأسعار يمكن أن يدفع الصناعة الى حافة الهاوية، وفي قطاع تكبدت فيه الشركات المدرجة خسائر تشغيل بقيمة 5.1 مليارات يوان منذ سنة 2010 فإن الضغط قد يؤدي الى كارثة.وقد يتعرض سوق العقارات الى ضغوط قاسية، والمستهلك الصيني يحصل على حق شراء شقة منذ الولادة وقد ارتفعت الأسعار نتيجة الزيادة في الطلب، كما نمت عمليات الرهن العقاري بنسبة 31 في المئة منذ شهر مارس عام 2016. ولكن مع وضع المدن المزيد من القيود على عمليات الشراء وتشدد جهات التنظيم المصرفي في تحجيم نمو الرهن العقاري فإن النتيجة قد تتمثل في ضغوط على الأسعار ما يفضي الى نتائج غير سارة بالنسبة الى أصحاب المنازل والمطورين المثقلين بالديون.وما يزيد في سوء الوضع أن ارتفاع أرباح السندات يزيد من صعوبة وفاء الشركات المثقلة بالديون بالتزاماتها، وعلى الرغم من أن هذا لم يبدأ بعد في دفع الشركات نحو الهاوية فإن تكلفة الاقتراض ارتفعت في اقتصاد متخم بالديون مع تراكم الأخطار المرافقة لذلك المسار.والجانب الذي يضاعف سوء الوضع هو أن على الجهات التنظيمية أن تكون مستعدة لمواجهة مزيد من حالات الافلاس والقروض عديمة الأداء. وفيما يتعلق بالوضع الراهن تبدو الحكومة الصينية راغبة في قبول كل هذا التحول نظراً لأن ذلك يعني خفض مستويات المجازفة المالية، وهذا أمر يستحق الثناء، ولكن مع تصاعد الألم الذي امتد ليصل الى الشركات المملوكة للدولة والمستهلكين والبنوك فإن الضغط سوف يفضي فقط الى تضخم الائتمان بمستويات عالية تنطوي على مخاطر يتعين على بكين أن تكون مستعدة لاتخاذ قرار صعب بشأنها.* Christopher Balding