قال السعدون، إن الوضع الاقتصادي في الكويت سيئ، وأن التنافسية الاقتصادية تسير نحو التردي، فكل المؤشرات التي نعرفها كالتنافسية ومدركات الفساد وبيئة ممارسة الأعمال الكويت متخلفة فيها، هناك زيادة في فجوات الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، نتيجة زيادة هيمنة النفط على المالية، إضافة الى استمرار انحراف الهيكل السكاني، سواء من ناحية العدد أو الكيف، إضافة الى اختلالات هيكلة العمالة الذي يوجد فيها أيضا اختلال في الكيف والكم، لافتة الى أن كل هذه المؤشرات التي يقوم من خلالها المشخص بتشخيص الوضع لأي جسد، تشير الى أن مؤشرات الاقتصاد الكلي ليست سلمية، ولكن الى الآن هناك فرصة لاستيعاب ما حصل من اختلالات ويمكن المعالجة.

وأضاف السعدون عقب الجمعية العمومية لشركة الشال الاستثمارية القابضة أنه صحيح أن تكلفة العلاج أصبحت عالية ومكلفة، وتزيد مع مرور الوقت، لكن حتى الآن هناك فرصة للعلاج إذا قبلنا صحة هذا التحليل، وأنه لم يعد لدينا خيار سوى القيام بعملية جراحة جوهرية، لافتا الى أن في السنوات السابقة كنا نتحدث عن هذه المشكلات، ولكن عندما تأتي الرياح معنا وتسير الظروف في مصلحتنا بارتفاع أسعار النفط تنتعش الأوضاع وتغطي كل عيوب الماضي، لكن يبدو أن هذه المرة لن يكون الوضع العام في مصلحتنا، لاسيما أن أسعار النفط على الأقل في المدى المنظور لن تتعدى 60 دولارا للبرميل، ومن المعروف أن الموازنة وفقا لوزارة المالية تتوازن عند مستوى 70 أو 71 دولارا للنفط، وبالتالي لن يكون هناك علاج جوهري ناتج عن الحظ هذه المرة، ولكن يجب أن يأتي العلاج بفعل فاعل، الأمر الذي يدفعنا الى ضرورة التمييز بين أمرين، أن استدامة المالية العامة لم تعد ممكنة، وما ينطبق عليها هو حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي والاجتماعي، وبالتالي فإن أخذ عنصر الوقت في عين الاعتبار عامل حسم، لاسيما أنه مع مرور الوقت ستزيد كلفة المعالجات والحلول.

Ad

سرعة اتخاذ القرار

وأوضح أنه إذا لم نسرع في التصرف مع سرعة اتخاذ القرار، سيكون لدينا مشاكل ضخمة قد لا تكون قابلة للحل في المستقبل، لافتا الى أنه إذا آمنا بصحة تصريح وزير المالية الذي ثارت حوله بلبلة وضجة، والذي تكلم عن استدامة المالية العامة للدولة كان من الأولى مناقشته لا مهاجمته، وما جرى يدل على وجود تنافر وليس تلاقيا، إذ تعتقد الناس ما يصدر عن الحكومة يعد بمنزلة "الكفر"، مشيرا الى أن المنطقة الرمادية حول أداء الحكومة أصبحت غير موجودة، فالحالة الآن إما بيضاء أو سوداء، "مع الحكومة أو ضدها"، وأرى أن المنطقة السوداء في حالة من الازدياد، والناس تنتظر أن تلتقط أي شيء يصدر من الحكومة لإثارة الضجة ليجدوا ما ينتقدونه.

ضريبة الثقة

وذكر أن أي مصدر في الحكومة في الوقت الحالي عليه أن يدفع ضريبة فقدان الثقة بها، ويبدو أن الناس معهم حق هذه المرة، فهم يرون تصريحات للحكومة أن وضع المالية العامة غير مستدام ويواجه الأخطار، وفي المقابل يرون منها تصرفات عكس ذلك، وخير دليل على ذلك العلاج بالخارج، وصفقات السلاح المليارية، والرشا وارتفاع تكلفة الفساد بين 600 و700 مليون دينار، إضافة الى ارتفاع تكلفة المشاريع 25 في المئة في الكويت عنها في أي بلد آخر... كل هذا في النهاية يعد فسادا، المواطنون يرون قيام الحكومة بشراء أسلحة بتكلفة 9 مليارات ومطالباتهم في الوقت نفسه بتحمل تكلفة قدرها 200 مليون لسداد عجز الميزانية، أمرا مجحفا في حقهم.

واستشهد السعدون بمثل قائم قائلا: الابن عليه حق في مساعدة والده في حالة التقاعد إذا كان في حاجة الى ذلك، ورغم ذلك فالأب يستغل تلك الأموال ليكون مدمنا للقمار، ولا يكتفي فقط بأخذ الأموال بل يقوم بالضرب والتعدي على الوالدة، فالأولى في هذه الحالة من ناحية المنطق أن يتوقف عن إعطائه المال، فالناس تفكر في الحكومة من منطلق هذا المثل، صحيح أن عليهم حقا في تحمل كلفة الإصلاحات، ولكن يجب أن تكون هذه الإصلاحات صحيحة وتدار بشكل حصيف.

رؤية إصلاحية

رفض السعدون خطوات الحكومة نحو الاقتراض من أجل سد العجز الحاصل في الميزانية، معتبرا ذلك مراهنة وشراء غالي التكلفة للوقت، لافتا الى أنه قدم لوزير المالية أنس الصالح في شهر أبريل الماضي، عند تقديم محاضرة في الجامعة، رؤية إصلاحية يمكن من خلالها معالجة الوضع الحالي، تبدأ هذه الرؤية بإيقاف الحريق الحاصل في الميزانية العامة للدولة، إذا إنه من المستحيل البناء في منطقة يوجد بها حريق، فيفترض أن تكون المالية العامة للدولة مستدامة، مستشهدا بمثال صندوق النرويج السيادي الذي حقق خلال عام 2016 نموا بلغ 9.6 في المئة، ففي حال قبولنا بنمو 0.6 في المئة نستطيع أن نغطي 60 في المئة من ثفاقتنا العامة بدخل مستدام، بشرط عدم الاقتراض وعدم المساس بالصندوق السيادي للدولة طوال الـ 5 سنوات المقبلة.

ثانيا: يفترض أن نهبط بالنفقات العامة على الأقل بحدود 20 في المئة، يعني تخفيضها من 20 الى 16 مليار دينار، وهذا ممكن لأننا بكل بساطة خلال فترة الرواج تم إنشاء 40 هيئة ومؤسسة الغرض الأساسي منها كان التنفيع فقط، ولم يكن تأسيسها بناء على هدف إنتاجي نهائيا، إضافة الى إيقاف نفقات الهدر الفاسد في الموازنة، على سبيل المثال لا الحصر نفقات العلاج بالخارج، والتفكير مرة ومرتين قبل توقيع عقود التسليح الباذخة، مبينا أن كل هذه الخطوات قادرة على تخفيض الرقم الذي نهدف إليه، دون المساس باحتياجات المواطنين الأساسية.

ثالثا: يفترض أن نرفع إيراداتنا العامة غير النفطية من 1.6 الى 4 مليارات أيضا خلال السنوات الخمس المقبلة، ويمكن أن يأتي ذلك من أكثر من مصدر، من خلال فرض ضريبة للدخل أو الأرباح أو القيمة المضافة، أو من خلال إجراء تعديلات على رسوم الدولة من حقوق الانتفاع وغيرها من المصادر الأخرى، أضف الى ذلك محاولة بيع كل ما هو غير ضروري من القطاع العام "الخصخصة"، وبالتالي يفترض أن يكون هدفنا تحقيق الـ 4 مليارات دينار في نهاية السنوات الخمس، وبالتالي يكون عندك بين 9 و10 مليارات يأتي من دخل الاستثمارات و4 من الدخل غير النفطي، تكون النهاية المحصلة في النهاية 13 أو 14 مليارا.

أزمة في الإدارة

ويرى السعدون أن الحل ليس في إيجاد رؤية، فمن السهولة أن نجد رؤية تتمحور حول الاستدامة، ولكن هناك مشكلة في من سيدير هذه الرؤى ويجعل تطبيقها على أرض الواقع حقيقة، فالحكومة تأخذ القرار وتتراجع عنه، بل بالعكس نسير في الوضع الأسوأ، فهي لم تعد قادرة على دعم خطواتها نتيجة ضعف الثقة بها، مؤكدا أن الأمر هذا لا يعد موقفا سياسيا أو ضد طرف في الحكم، بل له علاقة مباشرة باستدامة واستقرار البلد.

ويعتقد أن الحكومة الحالية فيها عناصر جيدة، بل تحتوي في تشكيلها على ما هو أفضل في البلد، ولكنها كمؤسسة ليست لديها القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، فالحكومة الحالية هدفها ثابت، وهذا الأصل يدافع عن نفسه وثباته باستهلاك كل مقومات الدولة، وبالتالي مهما طعمتها بعناصر إصلاحية لن يستطيعوا تغيير المنهج أو القرار، وأعيد وأكرر أن هذا ليس موقفا سياسيا، بل علينا أن نفهم أن بقاء البلد هذه المرة مرتبط بإداراتها، وأن مجلس الوزراء ليس مجلس حكم، بل هو مجلس إدارة، وإنما الحكم متمثل في سمو الأمير وولي عهده، فإن صلح مجلس الإدارة صلحت البلد، مستشهدا بمجلس إدارة الشركات، فإذا خرب فستخرب البلد، وأعتقد أنه يمكننا بسهولة أن نصل الى رؤية لاستدامة البلد وتكون الأفضل بعد.

نماذج ناجحة

وأفاد بأن هناك نماذج لدول عدة استطاعت أن تنجح وتتقدم من دون أن يكون لديها موارد معتمدة في ذلك على المورد البشري الذي يعد بمنزلة العمود الفقري لقيادة التغيير والإصلاح، مثل سنغافورة وفنلندا وأيرلندا وتركيا الى الصين، فالصين في سبعينيات القرن الماضي كانت تعاني المجاعة، واليوم هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومتوقع لها أن تكون أكبر اقتصادات العالم خلال الخمسة عشر عاما المقبلة، فمواردها لم تتغير، بل اعتمدت على الإدارة الصحيحة.

ترشيد الاستهلاك

قال السعدون أن محاولة خفض تكلفة الضرائب السلبية (الدعومات)، إذ إنه لا يمكن أن يتم تسويق الدعومات إذا لم تستقطع أولا من الناس القادرين، فالغرض لا يكمن تحقيق الإيرادات، بل في الحد من الاستهلاك، لأنه في حال الاستمرار على هذه الحالة من الأسعار النفطية الرخيصة والتوسع الإسكاني الأفقي، سنأتي الى مرحلة التوقف عن تصدير النفط، لأنه وفقا لتصريح أحد مسؤولي الكهرباء أنه في حال استمرارنا على الأوضاع الحالية حتى عام 2030 فسنحتاج الى مليون برميل للاستهلاك الداخلي، وبالتالي يجب أن نرشد الاستهلاك، كل هذه الخطوات ستطفئ حريق المالية العامة خلال 5 سنوات، وبالعكس سيكون النفط تكملة لتغطية العجز، حيث سيكون في حدود 20 أو 30 في المئة في البداية، ولكنه سينخفض مع مرور الزمن.

وشدد السعدون على أن كل هذه الإجراءات تتطلب أن تكون الحكومة هي القدوة الصالحة، حيث لا يمكن تحميل تغطية العجز للمواطنين من دون أن تبدأ الحكومة بنفسها في تخفيض النفقات وخفض مواطن الهدر في الميزانية.

ولفت الى أنه يجب أن يلحق الصندوق السيادي للدولة نوع من التغيير في الأهداف والاستراتيجية وأيضا إدارته، مشيرا الى أنه يجب أن يكون هناك تغيير جوهري، لأننا نريد التغيير والتحويل من مصدر غير مستدام لتمويل المالية العامة الى مصدر مستدام، وهذا الأمر يتطلب جراحة فعلية وليس "ضحكا ولا غشمرة"، وهذا كله لن يحدث غدا، ولكن علينا أن نبدأ لنرى النتيجة خلال السنوات المقبلة.

تغيير جوهري

وطالب السعدون بإحداث تغيير جوهري في مجلس الوزراء الحالي، فإن حدث ذلك خلال أشهر ستجد كويتا جديدة ومختلفة، مؤكدا ضرورة أن تكون هناك حصافة بعدم المراهنة على خدمة أشخاص في سبيل ضياع البلد، فالبلد هي الأساس والأشخاص متغيرون، وأرى أنه رغم وضعنا الاقتصادي السيئ، فإن وضعنا المالي قادر على إنقاذنا، لكن اذا استمر مجلس الإدارة الحالي (مجلس الوزراء) سيضيع وزننا المالي والاقتصادي في برهة قليلة من الزمن.

كم من الخطط

وبين أنه بات لا يقرأ وثائق الإصلاح الاقتصادي، فكم من الخطط والرؤى التي قدمت والتي لم نر لها أي نتائج على أرض الواقع، مضيفا "أنا لا أتكلم نظريا، بل أتحدث من واقع الحال الذي يقول أننا تبنينا أكثر من خطة تنموية وإصلاحية وفي الآخر فشلنا"، طلبنا استشارات من كل بيوت العالم الاستشارية، وقالوا لنا ماذا نفعل ورسموا لنا خريطة الطريق، إلا أننا سرنا في الطريق المعاكس تماما، إذن المشكلة ليست بالرؤى ولا الموارد، بل تكمن في الإدارة، ولكنني أرى أن هناك فرصة لكي نصبح أفضل مما نحن عليه، ولكن هذا مستحيل في حال إصرارنا على ديمومة الإدارة حتى على حساب ضياع البلد.