بعد اتهامات زيدان القاسية والصادمة... إصدارات عربية وغربية تثأر للناصر صلاح الدين
تشهد الساحة الثقافية في مصر راهناً إصدار كتب عدة تتناول شخصية البطل صلاح الدين الأيوبي، ذلك بعدما دارت رحى الكلام عنه في الفترة الماضية إثر انتقادات قاسية وغير موثقة وجهها الكاتب يوسف زيدان في مقابلة متلفزة، وصف فيها الناصر صلاح الدين بأوصاف صادمة أقلها «الخيانة».
بعدما انتقده الكاتب يوسف زيدان، توالت ردود غاضبة لمثقفين ومؤرخين تؤكد أن صلاح الدين شخصية تاريخية «لها ما لها وعليها ما عليها»، ولكن لا يجوز التهجم على الرموز أو الطعن في مواقفها من دون دليل تاريخي واضح ودامغ. بدورها، أصدرت دار «رؤية للنشر» كتاب «حياة صلاح الدين» للمستشرق البريطاني هاملتون جب، عميد الاستعراب البريطاني، والعضو المؤسس لمجمع فؤاد الأول للغة العربية، والصديق الحميم لطه حسين ومحمد حسين هيكل وغيرهما من كبار المفكرين العرب.
الناصر محرر القدس
يستعرض الكتاب، الذي يعتبر قطعة نادرة من البحث العلمي الأصيل والتفهم الغربي المنقطع النظير لشخصية عالمية، مصادر صلاح الدين، وسيرته، وشخصيته، فينتقل بين أصالة المصادر التي نقلت لنا سيرة صلاح الدين مثل عماد الدين الكاتب الأصفهاني، وبهاء الدين بن شداد، ونصوص عز الدين بن الأثير. كذلك يقدِّم أمثولة لاستيعاب السيرة الصلاحية، والوعي الذي يكاد يكون نادراً بقيمة كل رواية من رواياتها، فيما يخصّ شخصية صلاح الدين، فتتجلى عظمة كتاب المستشرق جب بأروع صورها.ويرى جب أن عظمة صلاح الدين لا تتجلى في النجاح بتحرير القدس ودحر الصليبيين فحسب، وإنما في المثاليات السامية التي كان يؤمن بها وبقي وهو في قمة السلطة مؤمناً بها، فلم يكن للمال والنفوذ تأثير ينتزع منه المبادئ، فبقي حتى النهاية يقاتل في نضال مهلك قوات أوروبا بمجملها في الحملة الصليبية الثالثة بقوة الإيمان الفذ بالقضية. وتقول دار النشر إن صدور ترجمة الكتاب العربية في هذا التوقيت يمثّل تصحيحاً للخلط الذي يحلو للبعض ترويجه في حق هذه الشخصية التاريخية الخالدة، لذا تتضاعف الحاجة إلى العلم النافع الأصيل والدراسة الصارمة للنصوص والوعي الحقيقي بحركة التاريخ، وهو ما أبدع به المستشرق جب في عمله الخالد «حياة صلاح الدين».من جهة أخرى، أصدرت دار نشر «ليفاني» في أثينا كتاب «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» والمعروف بسيرة صلاح الدين، لمؤلفه القاضي بهاء الدين بن شداد الموصلي والذي عاصر فترة صلاح الدين وعمل في البلاط السلطاني.وقال د. حسين مرعي، الملحق الثقافي في المركز الثقافي المصري بـ«أثينا»، إن مترجمة العمل «إليني كابيتاناكي» تذكر أن الكتاب الضخم يكشف جوانب إنسانية عدة من شخصية صلاح الدين وعليه اختارت أن تكون الترجمة اليونانية بعنوان: «صلاح الدين: قائد ذو شخصية متميزة». يذكر أن المترجمة سبق لها ترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية، من بينها روايتا «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي و«التبر» للأديب الليبي إبراهيم الكوني.
سيرة ومسار
تتسابق دور نشر خاصة أخرى إلى إعادة طباعة كتب تتناول سيرة صلاح الدين الأيوبي من بينها كتاب للمفكر البريطاني والباكستاني الأصل طارق علي الذي كان أصدر عملاً إبداعياً كبيراً حظي باهتمام بالغ في الصحافة الثقافية الغربية وهو «كتاب صلاح الدين» ضمن سفر «خماسية الإسلام»، وفيه جمع بين البحث التاريخي وبين الخيال الإبداعي، حيث يمكن للقارئ أن يتذوق شهد الإبداع لطارق علي ويعيش في «قاهرة صلاح الدين» والحرب ضد المستعمر الصليبي وأفكار فلاسفة كبار مثل ابن رشد وابن سينا وابن ميمون والمؤرخ أسامة بن منقذ وعالم القرن الثاني عشر الميلادي وصراعات القوى الكبرى في هذا العالم.بدوره، طالب الدكتور أيمن فؤاد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، بمزيد من الكتب العلمية، مشيراً إلى أهمية الاعتماد على البحث التوثيقي بدلاً من إطلاق الاتهامات جزافاً، فيما انتقد د. محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، ما ذكره يوسف زيدان بشأن البطل صلاح الدين الأيوبي معتبراً أن المؤرخ الحقيقي يتعامل مع أية ظاهرة بهدوء ويتحدث عنها بإيجابياتها وسلبياتها في سياقاتها التاريخية.يعد صلاح الدين الأيوبي موضع اهتمام متجدد في الثقافتين العربية والغربية ومصدر إلهام كتب متعددة، واعتبره الفيلسوف والمؤرخ الأميركي وول ديورانت في سفره الموسوعي «قصة الحضارة» نموذجاً للعظمة والرحمة ينبغي أن يكون موضع بحث تاريخي متجدد ولكن بضوابط منهجية.