يفضح «غرابيب سود» جرائم «الدولة الإسلامية» الدموية وطرائقه الوحشية في القمع والإجرام والتعامل مع أفراد التنظيم أنفسهم من جهة، والمنتسبين الجدد، خصوصاً الأطفال والنساء من جهة أخرى، مسلّطاً الضوء على بنيته التنظيمة، وتسلسل الهرم القيادي. ومن خلال فضح الإرهاب وتعرية غاياته، والتركيز على التفاعلات المريضة والمنحرفة لقادته ومنتسبيه، يرسّخ العمل قيم التربية المدنية والعلم والوعي والحرية الفكرية الراقية والحضارية والمتوافقة مع تعاليم الإسلام الحقيقية والمنسجمة مع العادات والتقاليد في مجتمعاتنا العربية.
كشف المستور
في إحدى مَشاهد العمل، تظهر حافلة نسائية تُقِلّ فتيات منضمّات إلى التنظيم الإرهابي، وتكمُن وراء كل واحدة منهن قصة مختلفة لكيفية تجنيدها والتحاقها بـ»داعش». وسرعان ما تبدأ خطوط العمل بكشف النقاب عن ممارسات ينتهجها التنظيم في إغواء المنتسبين والمنتسبات إليه، تارةً تحت ذريعة الدين، وطوراً عبر استثارة الغرائز والأحقاد والعصبيات، فيتعرّف المشاهد إلى عمليات غسل الأدمغة، وتطويع بعض النصوص الدينية وتحريفها وإخراجها عن سياقها الموضوعي بما يتناسب مع غايات التنظيم الإرهابي السياسية التوسعية والدموية، ومصالح قادته الشخصية والفئوية.ومع تصاعد وتيرة الحبكة الدرامية، يتابع المشاهد استغلال الذرائع نفسها لامتهان المرأة وزجّها في ما يسمّى «جهاد النكاح»، فيما يُقذف بالشبان والفتية، بل وحتى الأطفال إلى الموت. ولاحقاً، يرصد «غرابيب سود» ما يحدث للمنتسبين الجدد، إذ سرعان ما تفتر حماستهم ما أن يبدأوا باكتشاف حقيقة التنظيم المُرّة، ليجدوا أنفسهم في مأزق يتمثّل في استحالة الهروب من المقرّ الذي يصبح أشبه بمعتقل فكري ونفسي للمنتسبين الذين بدأت وحشية التنظيم الإرهابي في التعامل مع ضحاياه تهز إنسانيتهم وتشعرهم بمدى الخطأ الفادح الذي ارتكبوه عند التحاقهم به.«أم الريحان» و«الخنساء»
يسلّط العمل الضوء على النساء الملتحقات بالتنظيم، ذلك عبر عدة نماذج. منهن الباحثات عن المال والفارّات من حياةٍ يائسة نتيجة لظروفهن المالية والاجتماعية القاهرة، ومنهن اللواتي تدفعهن حالاتهن النفسية والاجتماعية إلى الرغبة في خوض تجارب ومغامرات سرعان ما يُصدمن بحقيقتها المرّة. وغيرهنّ ممن خضعن لعمليات غسل أدمغة مُمنهَج عبر وسائل متعدّدة ومتنوّعة من بينها شبكات التواصل الاجتماعي، ذلك عن طريق استغلال الوتر الديني بطرائق عاطفية، وتفعيل فكرة «الجهاد» في زمن «نكبة المسلمين» و«تدهور أوضاع الأمة» على حدّ زعمهم... إضافة إلى نساء أتين من مجتمعات غربية بعدما غُرِّر بهنّ، وسرعان ما يجدن تناقضاً جوهرياً بين ما كنّ يتوقعنه أو ما صُوِّر لهن، وبين حقيقة التنظيم الإرهابي. كذلك يتطرّق العمل في بعض جوانبه إلى «الجناح العسكري» النسائي المُرتكز في السياق الدرامي للعمل على كتيبتيْ «أم الريحان» و«الخنساء».الهيكلة القياديةيحاكي الخط الذكوري في العمل الهيكلة القيادية الحقيقية لـ «داعش»، إذ تأتي بتسلسل هرمي مأخوذ عن واقع التنظيم: الأمير وهو المدير المركزي للخلية، ويتكئ بدوره على مسؤول الإفتاء الذي يفصّل ويفسّر الأحاديث والآيات، فيُظهر ما يريد منها ويغيّب ما لا يريد، محرّضاً وموجهاً إلى إبادة الآخر، ونبذ التعايش وضرب النسيج الاجتماعي واستهداف المدنيين والآمنين. إلى ذلك، نجد ديوان المال والمسؤول عنه الذي يحافظ على تحقيق موازنة مالية تضمن ولاء الجانب العسكري من ناحية، ودعم إمكانات الدولة التسليحية وعمليات الجهاد الالكتروني وغيرها من ناحية أخرى... وثمة أيضاً المشرف على الأطفال وتطويعهم وتدريبهم وإعدادهم عسكرياً، ومسؤول آخر عن تجهيز الهجمات الانتحارية... وغيرهم ممّن لا يغفلهم العمل.الطفولة
يتطرّق العمل إلى كيفية تجنيد الأطفال والتلاعب بأفكارهم والتعامل مع أطفالٍ آخرين أصغر سناً أنجبتهم أمهاتهم من خلال ما يُسمّى بـ «جهاد النكاح»، وآخرين ممن انتسبوا الى التنظيم قادمين قسرياً مع ذويهم الذين تركوا بلدانهم لغرض ما، يسمّونه بمفهومهم «الجهاد». وهكذا تتوالى المَشاهد التي تسلّط الضوء على تدريب هؤلاء الأطفال في وحدات منفصلة، وعزلهم عاطفياً عن أمهاتهم، وتربية ولائهم وتبعيّتهم إلى القائد فحسب، وصولاً إلى تجريدهم من إنسانيتهم في سبيل صناعة مجموعات من القتلة تدين بالولاء المطلق لأمير الجماعة والفكر الظلامي.الغيرة والزواج والطلاق
في غفلةٍ من ذلك الإجرام والعنف والإرهاب، يجد المشاهد نفسه أمام حكايات حب وغيرة وزواج وطلاق وحمل وغيرها من قضايا إنسانية واجتماعية ذات أبعاد درامية مؤثرة... ما يصل به إلى محصلة درامية بالغة الاستفزاز، لتنضج فكرة العمل رويداً رويداً في ذهنه.المسار الدرامي
بدايةً، تُسلّط الحلقات الضوء على الجانب النسائي في التنظيم الإرهابي، بما في ذلك حالات الصمت والخوف التي ترسم علاقة الفتيات المُجنّدات ببعضهن بعضاً، في ظل أزمة ثقة حقيقية. كذلك يتابع المشاهد كل حالة من تلك الحالات منذ بدايتها، وارتداداتها النفسية، إلى جانب محاولات النساء القسرية للتكيف من دون جدوى. لاحقاً يرتفع إيقاع الأحداث وتبدأ الخطوط الدرامية بالتقاطع فتسقط الأقنعة وتنقسم الصفوف في الخفاء. فبعضهم يشعر بأنه واقع في مأزق حقيقي، فيما يزداد بعضهم الآخر تمسكاً بالوضع الراهن لاعتبارات مختلفة. كذلك تنشأ علاقات إنسانية بين الفتيات اللواتي يتشاركن المصير ذاته، إلى جانب قصص حب بين نساء ورجال ممّن التحقوا بالتنظيم ويتشاركون الإحساس بالضياع والارتباك والندم، فتبدأ في هذه المرحلة انقلابات داخلية ليصبح الحاكم محكوماً والعكس. تصل الحبكة إلى قمّتها الدرامية قبل أن تسير باتجاه خواتمها، فتنتهي قصص البعض بالقتل، وآخرون يلقون حتفهم في تفجيرات انتحارية... فتتوزّع مصائر معظم الشخصيات في العمل ما بين أن يكونوا قتلة أو مقتولين.نجوم العمل
منى شداد ومرام البلوشي وسارة محمد ومحمود بو شهري وعيسى ذياب من الكويت، راشد الشمراني ومروة محمد وأسيل عمران ويعقوب الفرحان وعلي السعد من السعودية، وجو طراد وليزا دبس من لبنان، وسيد رجب ودينا وسمر علام ورامز الأمير من مصر، ومحمد الأحمد وشادي الصفدي وديما الجندي وروزينة اللادقاني وربى الحلبي من سورية، وعزيز خيون من العراق، وفاطمة ناصر وأيمن مبروك من تونس... إخراج كل من حسام الرنتيسي، وحسين شوكت، وعادل أديب.«نيويورك تايمز»
حول المسلسل كتب بن هيوبرد في «نيويورك تايمز»: امرأة تشدّ رحالها إلى سورية في محاولةٍ لإيجاد ابنها الذي فرّ من المنزل والتحق بـ «داعش». وأُخرى ترتدّ عن دينها المسيحي وتخطّط لتفجير كنيسةً. وسيدة مُقتدرة مُتّشحة بالسواد، تطلب من فتيات مراهقات أن يسترحْن قبل أن يغتصبهن مقاتلون متطرّفون. هذه القصص المخيفة التي أصبحت مألوفةً في ظل الحياة تحت سطوة «داعش»، تُشكّل عناصر الحبكة الدرامية الرئيسة في «غرابيب سود».يضمّ العمل ممثلين من أنحاء العالم العربي، ليعكُس بذلك واقع المُجنّدين في «الدولة الإسلامية». توضح الممثلة سمر علاّم خلال مقابلة هاتفية أن تقمّصها الشخصية أصابها بالاكتئاب، وأمِلَت بأن يتمكّن المسلسل من جعل الناس يفكرون بطريقة لا تظهرها التقارير الإخبارية حول العنف الذي ينتهجه التنظيم. وتضيف: «داعش خطر على الإنسانية جمعاء»، مشيرة إلى أن المسلسل مكّنها من «إظهار كراهيتها وإدانتها لهذه الجماعة، والتعبير عن ذلك بطريقة عملية وملموسة».بدورها، تجسد الممثلة السعودية مروة محمد، دور امرأة تقتل زوجها لخيانته إيّاها، ثم تفرّ للانضمام إلى «الدولة الإسلامية» برفقة ولديْها. وبعدما يُعتدى جنسياً على أحدهما، ويُقتل الآخر، تصارع هي من أجل الفرار. توضح مروة محمد: «من المهم أن نقوم بتوعية الناس، وأن نُظهر لهم أن الإسلام ليس على هذا النحو». كذلك تأمل بأن تشكّل القصص الإنسانية في المسلسل حافزاً للمشاهدين لمتابعته، رغم سوداوية طابعه العام: «المسلسل لا يتحدث عن الإرهاب والحرب فحسب، بل ثمة قصص درامية موازية». مدير مجموعة MBC العميد علي جابر، يقول: «يفضح المسلسل اداعاءات «الدولة الإسلامية» في تجنيد عناصره، ذلك من خلال تكريس التأثير الكبير الذي يحظى به التلفزيون لدى الناس». ويضيف: «نحن إزاء وباء، وعلينا استجماع شجاعتنا لمحاربته».ثمة أخطار تحملها خطوة إنتاج مسلسل عن «الدولة الإسلامية»، في منطقة ذاقت الويلات من بطش التنظيم، وهو ما يوضحه جابر بقوله: «تسبّب مسلسل كوميدي عُرض سابقاً على MBC وسخِر من التنظيم، بتلقّي نجم العمل تهديدات بالقتل. لذا، فإن ثمة رُعاة معلِنين قد يتردّدون في الإعلان عن منتجاتهم خلال مسلسلٍ يتطرّق إلى عنف الجماعات الإرهابية، لذا سيجلب العمل الأنظار ويتسبب بضجّة ويحقّق نسب مشاهدة عالية وسمعة جيدة، ولكنه لن يدرّ الأموال». وفي سياق متصل، تقول ريبيكا جوبين، البروفيسور المساعد للدراسات العربية في «كلية ديفيدسون»: «ثمة مسلسلات درامية وكوميدية رمضانية أخرى تطرّقت إلى الدولة الإسلامية، غير أن «غرابيب سود» يبدو الأول من نوعه الذي تدور أحداثه بشكل كامل ومحوري حول العالم الجهادي». وتوضح أنه أكثر المسلسلات الرمضانية جماهيريةً هي تلك التي تأخذ المشاهد بعيداً عن الواقع، نحو قصص الحب والشخصيات المتألّقة. وتضيف: «ربما يقول لسان حال مشاهدين كثيرين: لا أريد متابعة هذه الأمور، فأنا أشاهدها في الأخبار يومياً». غير أن منتجي المسلسل يتوقّعون له متابعة واسعة، خصوصاً أن MBC1 تشهد تقليدياً خلال رمضان نسب مشاهدة استثنائية».