أبقى الشعب الإيراني أبوابه ونوافذه مفتوحة أمام التواصل مع العالم، بإعادة انتخابه الرئيس المعتدل حسن روحاني لولاية رئاسية ثانية، مانحا اياه فوزا ساحقا على مرشح التيار الأصولي المتشدد إبراهيم رئيسي.وأعلن وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي أن روحاني (68 عاما)، المؤيد لتحسين علاقات بلاده مع الدول الغربية، فاز بـ23.5 مليون صوت بنسبة 57 في المئة، مقابل 15.7 مليونا بنسبة 38.5 في المئة لمصلحة منافسه، المدعوم من المرشد الأعلى علي خامنئي و»الحرس الثوري»، إبراهيم رئيسي.
وقال فضلي إن عدد المصوتين بلغ 41.2 مليون ناخب، فيما وصف بأنه إقبال قياسي.وهنأ التلفزيون الرسمي روحاني بالفوز. وعبر المرشد الإيراني عن شكره وتقديره للشعب على مشاركته التي وصفها بالحماسية الواسعة في الانتخابات.وكانت لجنة الانتخابات، التابعة لوزارة الداخلية، قد مددت مساء أمس الأول، فترة التصويت 5 ساعات، بسبب زيادة الإقبال غير المتوقعة، حيث أدلى 73 بالمئة من الناخبين، الذين يحق لهم التصويت، بأصواتهم في الانتخابات التي جرت أمس الأول.وقال روحاني في كلمة عقب إعلان النتيجة أمس، إن «الشعب الإيراني اختار طريق التوافق مع العالم، ورفض التطرف».
تهنئة وانعكاسات
وعلى الرغم من أن سلطات الرئيس المنتخب محدودة، مقارنة مع سلطات المرشد الأعلى، فإن حجم فوز روحاني يعطي المعسكر الموالي للإصلاحيين المعتدلين تفويضا قويا لمواجهة سلطة المرشد التي تشمل نقض كل السياسات والسيطرة القصوى على أجهزة الأمن. ومن شأن فوز روحاني بفترة جديدة حماية «الاتفاق النووي» الذي توصلت إليه إيران في ظل رئاسته مع القوى العالمية في 2015، وقضى برفع معظم العقوبات على الجمهورية الإسلامية نظير أن تكبح طهران برنامجها النووي.وسيتعين على روحاني إدارة علاقة شائكة مع واشنطن التي تبدو متشككة في «الاتفاق النووي» الذي وقعه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ووصف الرئيس الحالي دونالد ترامب الاتفاق مرارا بأنه «أحد أسوأ الاتفاقات الموقعة على الإطلاق»، لكن إدارته مددت تخفيف العقوبات عن إيران الأسبوع الماضي.انتكاسة وقيود
كما يمثل الفوز انتكاسة لـ «الحرس الثوري» الذي يملك امبراطورية صناعية كبيرة في إيران، وأيد رئيسي في الانتخابات لحماية مصالحه.لكن روحاني لايزال يواجه نفس القيود التي منعته من إحداث تغيير اجتماعي كبير في بلاده خلال فترة رئاسته الأولى، وأحبطت كذلك جهود الإصلاح التي قام بها الرئيس السابق محمد خاتمي.ولم يتمكن روحاني، في فترة رئاسته الأولى، من الإفراج عن زعماء إصلاحيين موضوعين قيد الإقامة الجبرية بالمنزل، كما يحظر على وسائل الإعلام نشر كلمات أو صور خاتمي.دماثة وجرأة
وخاض روحاني المعروف عنه منذ عقود أنه رجل دين دمث الخلق الانتخابات بصفته إصلاحيا عتيدا يثير طموح الشبان والناخبين في المدن والطامحين للتغيير. وتجاوز الرئيس بجرأة بعض الحدود في خطاباته بانتقاده سجل حقوق الإنسان في أجهزة الأمن والقضاء.وخلال إحدى خطبه، أشار روحاني إلى المحافظين بوصفهم «هؤلاء الذين يقطعون الألسنة ويكممون الأفواه». كما اتهم رئيسي (56 عاما) خلال مناظرة الأسبوع الماضي بالسعي إلى «استغلال الدين من أجل السلطة». وقوبلت هذه التصريحات بتوبيخ معلن نادر من جانب خامنئي الذي وصفها بأنها «لا قيمة لها».ورئيسي أحد تلاميذ خامنئي، وتشير إليه وسائل الإعلام الموالية للأصوليين على أنه خليفة محتمل لخامنئي البالغ من العمر 77 عاما، والذي يتولى الزعامة منذ 1989.ويبدو أن الإقبال الكبير جاء في مصلحة روحاني الذي قال مؤيدوه مرارا إن أكبر مخاوفهم هي عزوف الناخبين ذوي الميول الإصلاحية عن التصويت بسبب إحباطهم من بطء وتيرة التغيير.وكان ناخبون كثيرون عازمين على منع صعود رئيسي الذي كان أحد القضاة الأربعة الذين حكموا على آلاف السجناء السياسيين بالإعدام في ثمانينيات القرن الماضي، وهو الحكم الذي يعتبره الإصلاحيون رمزا للدولة البوليسية في عنفوانها.وبينما كانت عملية التصويت جارية، أمس الأول، شوهد رئيسي في وزارة الداخلية يتقدم بشكاوى تعلقت إحداها بما وصفه بأنه نقص حاد في استمارات الإدلاء بالأصوات.ترحيب أوروبي وروسي
في غضون ذلك، اعتبر الاتحاد الأوروبي فوز رحاني تفويضا شعبيا قويا. وهنأت مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد، فيدريكا موغيريني، روحاني بالفوز.وقالت في «تغريدة» على «تويتر»: «شارك الإيرانيون بحماس في حياة بلادهم السياسية، أهنئ الرئيس روحاني بالتفويض القوي الذي حصل عليه». وأبدت موغيريني استعداد الاتحاد لمواصلة العمل لتطبيق «الاتفاق النووي» بالكامل، وللتواصل الثنائي وتحقيق السلام الإقليمي وتلبية تطلعات كل الشعب الإيراني.بوتين
كما هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الإيراني على إعادة انتخابه رئيسا لإيران، ودعا إلى علاقات وثيقة أكثر بين موسكو وطهران.وعبر بوتين في برقية إلى روحاني عن الثقة بأن موسكو وطهران ستواصلان التعاون من أجل «الحفاظ على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط وفي العالم بشكل عام»، وأن الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارة روحاني الى موسكو سيتم تطبيقها.