عودة روحاني... لا جديد!

حتى لو أن نسبة الاقتراع "التصويت"، وفق الإعلان الرسمي، بلغت نحو 80 في المئة غير مشكوك فيها، فإن إعادة اختيار حسن روحاني، الذي يوصف بـ "الاعتدال"، رئيساً لإيران لن تغير في التوجهات الإيرانية الداخلية والخارجية الحالية، طالما أن فترة ولايته الأولى قد شهدت "استئساداً" غير مسبوق للأكثر تطرفاً من حراس الثورة، ومن المحيطين بالمرشد الأعلى، وشهدت ذروة تبني الإرهاب في المنطقة وأقصى التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية القريبة والبعيدة، وعلى غرار ما جرى ولايزال يجري في العراق وسورية، وأيضاً في اليمن ولبنان والأوضاع الفلسطينية.

المثل يقول: "لا تجرب مجرب"، فهذا الرئيس الإيراني الذي جرى التجديد له بـ" همروجة" الانتخابات الاستعراضية الأخيرة، التي استقبل: "تحالف المقاومة والممانعة"، - وأي مقاومة وأي ممانعة؟ - نتائجها بالأهازيج وإقامة الأفراح والليالي الملاح، كان أهم إنجاز له في ولايته الأولى إبرام اتفاقية "النووي" التي لا يعود الفضل في إبرامها له، وإنما للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي أصيب بداء عشق طهران، والذي أدار ظهره للعرب والمنطقة العربية على اعتبار أن مصالح الولايات المتحدة قد انتقلت من هذه المنطقة إلى الصين البعيدة وإلى إيران القريبة، وهذا هو عمى الألوان السياسي في أسوأ أشكاله.

إن الذي أرادته الزعامة في طهران من التجديد لروحاني لمرة ثانية هو رش الرماد في عيون الغرب بدوله المتعددة المشارب والمختلفة التوجهات، وإظهار إيران "الإرهابية" حتى النخاع الشوكي، - التي ترتكب كل هذه الموبقات في هذه المنطقة التي "وصلت الدماء فيها ليس إلى الركب فحسب، بل إلى الذقون والأعناق"، - على أنها ناعمة الملمس، وأن رئيسها الذي تم التجديد له يستحق الإبقاء على اتفاقية النووي التي أهداها أوباما إليه استناداً إلى تقديرات سيئة وإلى قراءة خاطئة لمعادلات الوضع بالنسبة إلى المصالح الأميركية.

لن يفعل روحاني شيئاً في ولايته الثانية، لأنه لم يحقق أي إنجاز غير توقيع اتفاقية "النووي" التي بات من الواضح أن دونالد ترامب إما أنه سيلغيها أو سيعدلها لتصبح متلائمة مع المصالح الأميركية، ولذلك فإن إيران، مادامت هذه المجموعة المتطرفة هي الحاكم الفعلي فيها، ستضاعف تدخلها الشائن في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، وستواصل تبنيها للإرهاب، وستواصل أيضاً قمع قوى المعارضة الداخلية واضطهاد الأقليات القومية والدينية والطائفية والمذهبية.

ربما تستقبل بعض الأوساط الغربية فوز روحاني في الانتخابات الأخيرة، التي وصلت نسبة الاقتراع فيها إلى أرقام فلكية، مع أن غالبية العرب والأكراد والبلوش، وأيضا الآذريين والفرس قد قاطعتها، على أنه بملمسه الناعم يمثل مواقف الدولة الإيرانية في المرحلة المقبلة، وهذا في حقيقة الأمر هو الأوهام والقراءة الخاطئة، وهو العمى السياسي في أسوأ صوره، وذلك لأن المفترض أن هذا الغرب بات يدرك بعد ثمانية وثلاثين عاماً من انتصار ثورة الخميني أن القرار في هذا البلد، الذي يستحق نظاماً ديمقراطياً وبأرقى أشكال الديمقراطية، هو للولي الفقيه، المرشد الأعلى ومعه بعض مراكز القوى كحراس الثورة وليس لأي رئيس، وسواء كان هذا الرئيس العريض الابتسامة أو أي رئيس آخر!