قدم الشاعر حمود الشايجي خلال أمسية تدشين روايته الاولى "شيخ الخطاطين" في مكتبة رواق بمنطقة الشويخ نموذجا رائعا في تحقيق المعادلة الصعبة بين انضباط الشاعر والتزام الدبلوماسي خلال القراءة النقدية لمولوده النثري الاول، الذي قدمه كل من د. أيمن بكر والناقد فهد الهندال في حضور كبير من المهتمين بسحر الرواية والراغبين في الغوص في بحور صناعتها. انضباط والتزام
فحمود الشايجي الشاعر الذي أصدر 3 دواوين شعرية قبل ان يقرر خوض غمار الكتابة الروائية قبل 4 سنوات أظهر في الامسية التي أدارتها باقتدار هديل الحساوي قمة الانضباط الانفعالي وكأنه يكتب قصيدة، فضبط إيقاع الشاعر ينطلق من ضبط إيقاع القصيدة من موسيقى وصور بلاغية توظف الخيال وتصنعه وتستدعيه، وحمود الشايجي الدبلوماسي الذي عمل في السفارة الكويتية ببلغراد، كان قمة في الالتزام بحرفية هذا السلك، فالاستماع أكثر من الكلام، وعندما كان يتكلم يخيل إليك أنه يزن الامور بمكيال من ذهب، وكل شيء عنده بحساب، حتى في مدحه لكل من سانده خلال هذه التجربة التي اعتبرها عالمه طوال 4 سنوات، والتي حاول فيها أن يقدم عملا ليس الهدف منه أن يقول "أنا هنا"، وأن يقدم افضل ما لديه من رؤى وجهد حتى انه شعر بفراغ كبير بعد الانتهاء منها وارسالها للمطبعة، وتمنى ان يعود مجددا لمعايشة شخوصه.ولعل الاستشهاد بما خطه في الرواية يؤكد مدى المعاناة التي عاشها للوصول بها الى يد القارىء حيث قال: "نحن قوم عانينا الكثير من الترحال، الراحة لم تكتب لنا، نحن قوم منفيون في الأرض، عاداتنا وتقاليدنا ابتكرناها على هذا الأساس، لا يسمح لنا بكسرها، وما تكسر حتى يكون علاجها سفك دم، والدم المسفوك رغم علمنا أنه لا يصلح المكسور، نصر ونزرعه في جيناتنا لنصاب بالخنوع والخضوع"، وقال "ليس لي غاية فيكم ولا عليكم".
خطان للرواية
انطلقت الامسية بكلمة من هديل الحساوي ألقت الضوء على رواية "شيخ الخطاطين" التي صدرت عن كل من: منشورات ضفاف في بيروت، ومنشورات الاختلاف في الجزائر، والمنصور للنشر والتوزيع في الكويت وتقع في 312 صفحة، وتتميز بخطين هما الخط السردي الذي يعتمد الفانتازيا في خلق عوالم داخل الرواية، الفانتازيا ذات الخامات الحقيقية الكثيرة التي لها إسقاطاتها الواقعية. والخط الثاني هو خط اللغة الذي له بعده الصوفي برمزيته الموحية. ولعل المزج بين هذين الخطين هو ما خلق في الرواية مسارات وتفسيرات متعددة حتى للحكاية الواحدة فيها.العقدة الكبرى
واستهل د. أيمن بكر رؤيته النقدية لرواية شيخ الخطاطين بقوله" نحن في معرض الاحتفاء بميلاد روائي سيكون له خط مختلف ومميز في الرواية الكويتية والعربية. وأضاف: "أنا عندي شهادة على هذه الرواية عندما فوجئت بأنها أوشكت أن تنتهي بعد معاناة 4 سنوات"، ذاكرا أن الشايجي كتبها 3 أو 4 مرات ولو ترك لكتبها اكثر من مرة، "ومن اجل هذا حاولت بقدر الاماكن ان ادفعه للتخلص منها قبل ات تتحول الى لعنة". وذكر أن مفتاح الرواية التي تتميز بالبدائية والصدق تعطيه الرواية نفسها في مقطع صفر من صفحة 11.وشدد على أن من يقرأ الرواية عليه حين يقرأها ان يتعامل مع الرواية بحرفية لأنها تقدم عالما بدائيا على الفطرة صادقا ومتشكلا بصورة تحتاج الى استخدام مختلف الحواس، وهذا يقودنا الى العقدة الكبرى في كتابة هذه الرواية لارتباطها بالتجربة الصوفية. وتابع "أحسب ان محاولة فك رموز الرواية بطريقة الرياضيات سيفضي بنا الى قراءة فقيرة، لأن الكتابة فيها لم تكن معنية بترميز العالم في شخوص أو كائنات موجودة في هذا العالم الذي يشبه الغابة.وطالب د.ايمن بكر القراء عند قراءة رواية شيخ الخطاطين بأن يتحلوا بالصبر لان صفحاتها الاولى بها كثافة رمزية شديدة ربما تكون مرهقة ولكن مع مواصلة القراءة سيجدون متعة كبيرة لاسيما بعد صفحات ليست بالعديدة تناول فيها الروائي تقديم شخوصه.واختتم بكر رؤيته قائلا "شيخ الخطاطين عمل روائي لن يجد فيه القارىء كلمة زائدة اسوة ببعض الاعمال الاخرى التي بها مط وتطويل، ومكتوبة بوعي شاعر، وقد استمتعت بقراءتها".عمل روائي مرهق
ومن جانبه، قال فهد الهندال ان رواية "شيخ الخطاطين" عمل روائي مرهق بالنسبة للقارئ، لانه مستدعى من الميراث الانساني والتاريخي، ومن اجل هذا يصعب التعامل معه بمنهج نقدي واحد.وأضاف: "أتصور ان الرواية تحتاج إلى اكثر من مستوى أو فهم أو اداة نقدية يمكن ان تشرحه، وأنا اقصد كلمة تشريح بكل ما تحتويه الكلمة من معنى من اجل نقد بعض نقاطه". وذكر بأنه يوجد في الرواية رموز كثيرة تجعل الناقد في حيرة، هل هي رموز دينية أو أسطورية أو انسانية، مرجحا كفة الرموز الانسانية.الجدل الأزلي
وفي النهاية، لم يختلف كل من قرأ الرواية على ضرورة ان تكون الاعمال الروائية لحمود الشايج اقل تكثيفا في الصور، لاسيما ان الروائي اعلن انه في صدد كتابة عمل روائي آخر في القريب العاجل، وكان المعترض الوحيد د. أيمن الذي شدد على ضرورة ان يرتقى القارئ الى المحتوى، وليس على الكاتب ان ينزل الى مستوى يفقده رقي الكلمة والحرفة والصنعة الابداعية. وعقب انتهاء تقديم الرؤى والمداخلات، وقع الروائي والشاعر حمود الشايجي روايته لكل من طلب ذلك.شيرين: أنا فخورة بنتاجه الأدبي
عبرت شيرين بوشهري زوجة الروائي حمود الشايجي عن فخرها بما سمعته عن رؤى نقدية خلال هذه الامسية، مما يزيدها فخرا بكل ما قدمه زوجها من أعمال شعرية أو هذه الرواية التي حرصت خلال مدة كتابتها التي تجاوزت أربع سنوات على توفير افضل الاجواء لابداعه، متحملة كل الاعباء الاسرية على امل انتهائه من الرواية ثم عودته الى الحياة الطبيعية له كرب عائلة.وتدخل الشايجي قائلا: "أنا قلت لزوجتي التي اتقدم لها بكل تقدير وبخالص العرفان على كل ما تحملته خلال فترة كتابة الرواية، وإحقاقا للحق أنا قلت لها، معك في حياتي شريكة لا يمكن ان اتخلى عنها ألا وهي الكتابة".وقدمت شيرين الشكر لكل من حاول ان يضيء برؤيته درب الروائي حمود الشايجي، وخصت بالشكر أصدقاءه المقربين.