حجم الكوميديا السوداء الذي واكب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سجّل رقماً قياسياً من التعليقات والتغريدات الساخرة تماماً كما سجل حجم المبالغ المالية التي أعلنها الجانب الأميركي، وهو نحو نصف تريليون دولار على شكل صفقات للسلاح واستثمارات ودعم للاقتصاد الأميركي.لعل الحالة النفسية للكثير من الشعوب العربية عبرت عن موقفها من هذه الزيارة عن طريق التهكّم والنقد الفكاهي غير المباشر، كما خدمت "صوغة" السيد ترامب المتمثلة بكريمته إيفانكا التي سرقت الأضواء حتى من والدها للمزيد من التعليقات والملاحظات، ولم تخلُ بعض المقالات من التحليل العميق والسياسي لهذا الحدث الكبير والمهم والتي بمجموعها قد لا تغيّر المواقف الرسمية التي ترجمت إلى اتفاقيات وعقود تم التوقيع عليها.
لكن السؤال الأهم يدور حول جدوى زيارة السيد ترامب ومستقبل المنطقة، ومدى جدية الاستراتيجية الأميركية حيال الشرق الأوسط تحديداً؟ فشخصية ترامب مثيرة للجدل الواسع ليس على المستوى العالمي فقط، بل في الداخل الأميركي نفسه، ويرجع بعض المحللين الزيارة المبكرة له إلى منطقة الخليج والإعلان رسمياً عن مئات المليارات من الدولارات التي جناها الرئيس الأميركي إلى معركته السياسية الشرسة التي تنتظره في الكونغرس، وليكون أمام وعوده للرأي العام المحلي بأنه قادر على جلب الأموال للولايات المتحدة.شجاعة السيد ترامب لم تختبر إلى الآن رغم فريقه الحكومي الذي يطلق عليه الصقور أو الكلاب المسعورة، فقد تراجع الرجل أمام الرئيس الكوري الشمالي الذي لم يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر، وتراجع أمام بوتين بعد أن حمّر الأخير عينه عليه في سورية، وتراجع عن تمزيق الاتفاق النووي مع إيران، وتراجع عن إلغاء منظومة النافتا مع كندا والمكسيك، ويستمر في تغيير مواقفه ببساطة ودون حتى أن يشير إلى ذلك أو يعترف بتقديراته الخاطئة، فكيف يوثق بهذه التعهدات الكبيرة التي أطلقها أمام خمسين زعيما عربيا ومسلما في الرياض؟!السيد ترامب هو الذي أهان العرب وخصوصاً الخليجيين قبل ترشحه وعلى مدى عشرين عاماً، وجدّد إهاناته بكل وقاحة أثناء الحملة الانتخابية، ولعل ذلك كان من أسباب نجاحه، أي نجح على ظهورنا، واليوم يحاول أن ينصّب نفسه حاكماً وآمراً في المنطقة، وهو الوحيد الذي يحدّد العدو والصديق، ويملي ما على أمة تمثل مليارا ونصف المليار نسمة بمؤسساتها وحكوماتها وزعاماتها، مما يفترض أن يعملوه ويتصرفوا بشأنه، نعم قد تكون مصادر التهديد من إرهاب وعدم استقرار وبناء البنية التحتية وتبني الوسطية والاعتدال مشخصة لدى عموم أبناء المنطقة ونخبها السياسية والحاكمة، ولكن كيف نثق بشخصية مثل ترامب بأن يكون حامي حماها؟ السيد ترامب لخّص الهدف من زيارته بنفسه وبعبارات صريحة ومعدة سلفاً، وتمت مراجعتها من قبل مستشاريه، ولكن بعد أن وقّع عقوده بمئات المليارات، حيث قال: "لا تنتظروا منا أن نحارب نيابة عنكم أو أن نهزم عدوكم عوضاً عنكم"! وإذا كان الأمر كذلك ألا يحق لنا أن نسأل السيد الرئيس "عيل ليش ياي"؟!
مقالات
ترامب... «ليش ياي»؟!
23-05-2017