الاعتماد على تخطيط الحكومات ومعظم المجالس المتعاقبة في سبيل تحسين الأوضاع في الكويت يشبه جدا الاستعانة بشخص ضرير لعبور متاهة معقدة، لذلك أنا لا أعوّل عليهم كثيرا، وأفضّل في غالب الأحيان أن يُفرض عليهم المسار بدلا من أن يخططوا له، وهو أمر يحدث اليوم فعلا.فقد ذهبت كل عبارات المسؤولين والمتعلقة بتنويع مصادر الدخل على سبيل المثال مع الريح، ولم تعد تستخدم إلا لتعبئة خطاباتهم وتصاريحهم دون خطة فعلية أو واقعية لتحقيق هذا التنويع.
إلا أن هذا التنويع بات يسير في اتجاه سليم دون أي تدخل حكومي أو نيابي أبدا، ففي السنوات العشر الأخيرة تقريبا نشط الكويتيون في مجال العمل الحر بعيدا عن قيود الوظائف الحكومية أو حتى العمل في مؤسسات القطاع الخاص التقليدية كالبنوك وشركات الاتصالات وغيرها، فهذا يتفرغ لمشروعه الخاص المتمثل بمطعم وآخر يلجأ للتجارة الإلكترونية، وثالث يؤسس شركة دعاية وإعلان، ورابع يفتتح مقهى، وكلهم يتفرغون لتلك الأعمال، ويكرسون جهودهم وطاقاتهم لإنجاحها رغم إزعاج الإجراءات المعرقلة، وبفضل من الله تحقق النجاح لكثير منهم، وهو الأمر الذي أجبر الحكومة والمجلس على تسليط الضوء على المبادرات والمشروعات الناشئة ومحاولة تسهيل بعض الأمور عليها، بالإضافة للميزانيات الضخمة التي خصصت لدعم هذا النوع من الأعمال.بمعنى أن المشرّع والمنفّذ لم تتجاوز خططهم بعض العبارات الورقية، وعندما اتجه بعض الكويتيين للمغامرات الفردية والعمل الحر اتجه المسؤولون لتلبية متطلباتهم، رغم أن الوضع السليم أو المفروض هو أن تقوم السلطات بتهيئة الأرضية المناسبة، ومن ثم وعند توافر هذه الأرضية يعمل المبادرون من خلالها وفي ظلها، ولكن ما حدث هو العكس وتم إجبار السلطات على محاولة تحسين بيئة الأعمال.الأمر نفسه ينعكس على التعليم في الكويت، فقد أصبح الاتجاه للتعليم الخاص رغم ما يشكله من عبء مادي كبير على الأسر الكويتية بمثابة الموجة السائدة منذ عشر سنوات تقريبا، فأنا ما زلت أذكر في مرحلة الدراسة الثانوية كيف كان عدد من يدرس من أبناء جيلي في المدارس الخاصة محدوداً جدا، رغم الوضع المادي الجيد لكثير من الأسر في محيطي الاجتماعي، إلا أننا اليوم نشاهد أن الحال قد اختلفت، وأصبحت المدارس الخاصة تعج بالطلبة بشكل يجعلها لا تتمكن من استيعاب كثافة من يرغب في التسجيل فيها، هذا الأمر أيضا وخلال سنوات قليلة جدا قادمة سيجبر الدولة وسلطاتها المختلفة على التعامل مع نوعية مختلفة من المخرجات التعليمية التي تلقت تحصيلها العلمي بشكل مختلف ولها سبل تفكير مختلفة ستجبر الدولة على التعاطي الإلزامي مع هذا التغيير، وأعتقد أن الأمر سيكون في مصلحة الكويت، فطالما كنا لا نملك من يخطط بشكل سليم فما علينا سوى أن نجبرهم على اتخاذ القرارات السليمة وفق المعطيات الجديدة القادمة.إن ما يحدث في الكويت في هذه الأيام هو بمثابة اتجاه إصلاح جبري ستنتهجه السلطات في مختلف المجالات للتعامل مع واقع جديد جيد فرضه الكويتيون على المسؤولين.
مقالات
اتجاه جبري
24-05-2017