يضمّ معرضك الأخير مجموعة من لوحات الموزاييك جسدت بها بعض الرؤى الفنية المختلفة بمعالجات متنوعة. كيف توصّلت إلى هذه الآلية؟
لكل فنان عالمه الخاص وثقافته المختلفة. اتجهت في هذه الأعمال إلى تجسيد مجموعة رؤى وحالات وجدانية يمكن لأي إنسان أن يستشعرها في حياته الخاصة، أو بيئته المحيطة عموماً، نتيجة لمؤثرات خارجية أو انفعالات خاصة تعترض حياته وتترك آثارها فيها مباشرة... ولا تقتصر مثل هذه الحالات على الفرد، بل تمتدّ لتعبِّر عن ظواهر كونية نتعرّض لها جميعاً أو نشاهدها أو نعايشها بشكل أو بآخر... حاولت تجسيد تلك الحالات الجوهرية وتحويلها إلى أشكال مرئية يمكن إدراكها من خلال الخطوط والأشكال والألوان في علاقات تشكيلية مجردة ساد فيها الأسلوب التجريدي.ولكنك انتهجت طريقة تختلف عن معالجاتك السابقة؟فعلاً، تختلف هذه الأعمال الحديثة كثيراً عن مضمون ومعالجات أعمالي المبكرة، لأن من الطبيعي أن يسعى كل منا جاهداً إلى تطوير نفسه، والفنان في بحث دائم عن ذاته المتمثلة في شخصيته الفنية (بصمته الخاصة) التي تتضح من مفرداته التشكيلية وتميزها ونوعية موضوعاته وتنوعها ومضمونها الفني... ومن خلال الخوض في التجارب المختلفة، يصبح الفنان أكثر تعمقاً في تجربته وأقرب اكتشافاً لذاته، وأكثر وعياً بقيمة ما يقدّمه للجمهور من متذوقي الفن. وعندما أفكر في أي عمل فني، لا أهتم أبداً إذا كنت سأنفذه بالموزاييك أو غيره... بل أفكر في إمكان تصوير لوحة فنية تتضمن قيم الجمال الممتعة للعين والنفس، والتي تحمل قيمة ما أريد إيصالها إلى المشاهد العادي قبل المتذوق.
فن الفسيفساء
جاءت أطروحتك للدكتوراه في التصوير الجداري بعنوان «الحداثة في لوحات الفسيفساء المعلقة». ماذا عنها؟ يتلخّص موضوع الرسالة في تأكيد أن «فن الفسيفساء» لا يقتصر دوره على التصوير على الجدران والأرضيات، كما كانت بداياته الأولى في عصور ما قبل الميلاد في فترات الفن الإغريقي والروماني ثم البيزنطي... وأنه فن تصويري من نوع خاص يمكن ظهوره في لوحة فنية ثنائية الأبعاد تتضمّن قيماً جمالية مميزة. جاءت إرهاصات هذه اللوحة خلال العصر البيزنطي في لوحات مصغرة تحمل صور القديسين والرهبان في الكاتدرائيات والكنائس في المدن التابعة للأمبراطورية البيزنطية، وتبعتها لوحات أكثر صغراً وغاية في الدقة تصل أبعاد بعضها إلى 5 سم، وذلك في المرحلة الكلاسيكية من تاريخ الفن إبان القرنين الـ18 والـ19 الميلاديين في لندن وروما.أما في العصر الحديث، ونتيجة للتطوّر العلمي والتكنولوجي واختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية التي تأثرت بها المجتمعات الجديدة في أوروبا منذ القرن العشرين حتى الآن، اتبع كثير من فناني الفسيفساء في تنفيذ أعمالهم الاتجاهات والأساليب الفنية الحديثة نفسها التي ظهرت إبان القرن العشرين كالتكعيبية والسيريالية والتجريدية والتعبيرية... إلخ، كذلك فنون ما بعد الحداثة كـ{البوب آرت» وفن التجريد الهندسي. من ثم، أصبح من الطبيعي التعامل مع هذه التقنية القديمة بمعالجات فنية حديثة وأساليب معاصرة بوصفها أحد الوسائط التصويرية التي تنتمي إلى فن التصوير وتندرج تحت الفنون المعاصرة.الفن الكويتي
قدّمت معرضاً في قاعة العدواني الكويتية. ماذا عنه وكيف ترين المشهد التشكيلي الكويتي؟معرض الكويت أحد المعارض الناجحة جداً في مسيرتي، ومن الذكريات الجميلة التي لا تنسى. عند تقدّمي لإقامة معرض في إحدى قاعات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كنت أتطلّع بشدة إلى أن أكون واحدة من الفنانين الذين حظوا بهذا الشرف لأن المجلس الوطني في الكويت مشهود له بالتميّز والتفرّد على المستويين الثقافي والفني، والمشاركة في إحدى فعالياته أو نشاطاته الفنية إضافة لأي فنان تشكيلي.لاقى المعرض دعماً واستحساناً من الجميع، وتضمّن لوحات تصويرية تنوّعت تقنياتها بين الأكريليك والباستيل بالألوان المائية، كذلك فن الفسيفساء الذي كان له السيادة في الأعمال المعروضة. ورغم أن القاعة تتميّز بمساحة كبيرة مهيبة، تحتاج إلى لوحات كثيرة وصل عددها إلى 35 لوحة ذات أحجام متباينة، فإنها أضافت مع حسن التنسيق والعرض جمالاً خاصاً على اللوحات المعروضة، مع أنني كنت فنانة جديدة على الوسط الفني التشكيلي في الكويت، وأقدّم تقنية جديدة هي الفسيفساء التي لا تتمتع بالانتشار الكافي، ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي كله. ونجاح المعرض إن دل على شيء، فعلى وعي الفنانين الكويتيين الثقافي والفني وتذوّقهم مختلف أنواع الفنون واستيعابهم التنوع التقني اللامحدود.إذاً ما هي رؤيتك للمشهد الفني في الكويت؟المشهد الفني الكويتي في حالة نشاط وتصاعد مستمرة. ثمة كثير من النحاتين والمصورين المتميزين جداً، أذكر منهم شيخة السنان، وسهيلة النجدي، وثريا البقصمي، ومحمود أشكناني، والنحات سامي محمد. يتفرّد كل منهم بشخصية فنية واضحة، لذا أثروا الحركة التشكيلية كل في مجال إبداعه. كذلك نجد ثراء تشكيلياً وبيئة ثقافية خصبة تحفز على الإبداع الفني، الذي نلمسه في تعدّد اتجاهاتهم الفنية المعاصرة التي تجسّد أكثر الفنون المعاصرة حداثة، وتحفظ للفنانين الكويتيين حضوراً مميزاً في ساحة الفن التشكيلي العربي.ماذا عن الموزاييك كمجال أساسي لممارستك الفنية؟هو في الأصل تخصصي الأكاديمي. رغبت في دراسته للتعرف إلى تقنية جديدة من تقنيات التصوير، خصوصاً أنه يزيح عن الإطار التقليدي للوحة التوال التي تتسم بقيم فنية مختلفة بعض الشيء، فهو يخرج إلى مساحات جدارية أكبر حجماً واتساعاً، وأكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع الجمهور المتذوق والعادي... وهذا هو الدور الحقيقي للفن والذي يتمثّل في التفاعل المباشر في الشوارع والميادين، مع مشاهديه لما له من حضور جمالي ونفعي، ويعكس أيضاً المستوى الثقافي، ما يكون له أكبر الأثر في الارتقاء بالذوق العام، ونحن في أمس الحاجة إليه في مجتمعنا المصري لما له من تأثيرات نفسية محسوسة ومدركة.جداريات وفسيفساء
نرمين المصري إحدى الفنانات القلائل اللاتي قدّمن فن الفسيفساء، وهي حاصلة على بكالوريوس الفنون الجميلة من جامعة حلوان، ونالت درجة الماجستير في التصوير الجداري، وحصلت على دكتوراه عن موضوع «الحداثة في لوحات الفسيفساء المعلقة»، وهي عضو نقابة الفنانين التشكيليين، وعضو المؤسسة الدولية لفناني الفسيفساء المعاصرين AIMC رافينا في إيطاليا، وعضو جمعية فناني الفسيفساء الأميركيين SAMA والمؤسسة البريطانية للفسيفساء الحديثة BAMM. شاركت في تنفيذ جداريات عدة في مدخل مدينة الأقصر، وقدّمت عدداً من المعارض الخاصة، فضلاً عن مشاركتها في معارض جماعية عدة. كذلك حصلت على جوائز كثيرة من بينها جائزة معرض الطلائع (جمعية محبي الفنون الجميلة)، وجائزة الدولة للإبداع الفني بالأكاديمية المصرية بروما، وجائزة ثانية في مسابقة المعرض الخاص الأول في مصر، وجائزة الأسلوب المميز لفن الفسيفساء من المعرض الدولي لفن الفسيفساء في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية.