الأغلبية الصامتة: بعد الخمسين
السياسة مثلها مثل أشياء كثيرة لا تصلح على (كبر) لأنها تحتاج إلى تراكم في التجارب والمعلومات والمعايشة والصبر وتحمل النكسات التي تنبع بالدرجة الأولى من خيبة الأمل في الناس والسياسيين وأصحاب القرار.
كم هي سيئة ورديئة خطوة الانخراط في العمل السياسي بعد الخمسين، السياسة مثلها مثل أشياء كثيرة لا تصلح على (كبر) لأنها تحتاج إلى تراكم في التجارب والمعلومات والمعايشة والصبر وتحمل النكسات التي تنبع بالدرجة الأولى من خيبة الأمل في الناس والسياسيين وأصحاب القرار.في الكويت تساعد الكثير من العوامل، مثل تشوه العملية السياسية، وتسيد العمل الفردي، في خلق تشققات دفعت بمجموعة من الطارئين على خوض غمار (الحكي) في السياسة، كل المطلوب قليل من المعلومات وكثير من الجرأة والصفاقة، ومن بعدها تدور عجلة السخافة المدفوعة بقوة المعايير الهابطة والفرص اللحظية التي من الممكن أن تفتح الفضاء الإعلامي لشخص مجهول في العمل العام، لكي يقول كل ما يكرس ثقافة التسطيح، ويفكك أعقد المسائل انطلاقا من مخزون الواتساب ونقاشات دواوين العصف الذهني.
إن نجاح بعض النماذج شجع المزيد من المغامرين كي يجربوا حظهم مع السياسة بعد الخمسين، وطالما أن شعار "شمعنى فلان؟" حاضرٌ بقوة، فلن تتوقف أعداد من سيغيرون مسار حياتهم بعد التقاعد من تمضية الوقت في المزرعة أو الشاليه أو الجمعية التعاونية والأسواق إلى تبني الأفكار المثيرة، وتسلم الراية ممن احترقوا قبلهم، ومن بعد ذلك تغيير مكان سكناهم من الحياة الواقعية إلى منصات التواصل الاجتماعي، ولسان حالهم "لمَ لا؟" فلان من خمول الذكر إلى المنصب الرفيع، وعلّان من الجلوس عند أحذية زوار الديوان إلى تصدر أهم المجالس والمنتديات.إنني أقول هذا الكلام بمناسبة بدء مراسم التسليم والتسلم من مجموعة جديدة من المحترقين بنار السياسة بعد الخمسين إلى مجموعة جديدة ستأخذ مكانها ومصيرها الحتمي، ولا يهمني من موضوعهم أي شيء غير أسفي على انحدار مستوى التعاطي الشعبي مع العمل السياسي وقبوله الترفيع مع لا يعرفون معنى الكلام الموزون والضمير المسؤول. لقد كان من المفترض بعد كل تجاربنا خلال العقد الأخير على الأقل أن نكون محترفين في فرز الطارئين عن المتمرسين، ولكن يبدو، والله أعلم، أن بعض الناس بعدما أصابهم الإحباط والملل باتوا يتسلون في تصنيع بعض الدمى السياسية، ومن ثم تحطيمها ودهسها.