مقاضاة العم «غوغل» والحذر منه
إنه زمن العجائب في كل شيء!يا ترى هل ذهب زمن الكليات والجامعات والدراسة خلف مقاعد المتعلمين؟ أم أن معظم أفراد المجتمع أصبح مثقفا إلكترونيا بسبب سهولة استعمال الهواتف الذكية، وتوفير الأثير لكل من تملك جهازا «ذكيا»؟! أم أن الثقة بغالبية الأطباء تدهورت، وأصبح العم «غوغل» هو المفتي العام في الحالات المرضية، وعلاجاتها، والتخلص من مضاعفاتها؟ وأصبح هذا الفضائي يفتي في المرض وعلاجه، وحتى في هول الاحتضار وطريقة الدفن؟والله المستعان على ما نحن فيه!
ففي حين يتكلف المريض زيارة الطبيب للفحص ومعرفة العلة بعد التشخيص بدقة، تجده يصل إلى الصيدلية حاملا الوصفة، والهاتف النقال على صورة علاج موجودة على الإنترنت عند «العم غوغل»! فيسأل الصيدلاني عما كتبه الطبيب وما إذا كان نفسه ما كتبه الطبيب الأثيري! بعد بحث طويل على صفحات الإنترنت فيما يخص شكواه، والصورة نفسها! فيقف الصيدلاني حائرا بين وصفة الطبيب المعتمدة بعد عدة مراحل صعبة من الدراسة والخبرات والتنقل أحيانا بين البلاد ليتخصص، وبين «صورة» يمكن أن تكون مروجة تجاريا للدواء، وربما تكون لمرض آخر، وإن تشابهت بعض الأعراض! أو أن المقصود من زيارة الطبيب إعادة تأهيله من المريض بشخصه، أو إعادة اختبار للصيدلاني الذي اجتهد وتخطى مراحل الطبيب نفسه ليأخذ مكانه، بالمقارنة مع المواقع الإلكترونية!مواقف مماثلة تضعنا أمام اندهاش من المستوى الثقافي الذي وصل إليه بعض الأفراد، وعددهم ليس بالقليل، وأتمنى أن يكون عارضا وحبا في القراءة والثقافة، خصوصا في المجالات التي تستحمل اختلاف الآراء، بعيدا عن التشخيص الشخصي، فهذا بحد ذاته مصيبة! يمكنني أن أقول إنه بسبب عدم الثقة ببعض العيادات الطبية، حسب رأي المراجعين لها أنها انقلبت إلى عيادات تجارية، أو أن الصيدليات أصبحت بقالات «دوائية»، والصيدلاني يقف ليلبي رغبات «العم غوغل» مع متابعيه، وليس بالضرورة من المرضى! أو يرد على الاستشارات غير المنطقية «برأي المتابع الخاص» بعد الاطلاع والتصفح لعدة ساعات عن حالته وعلاجها، أم أن المتابع يريد من الصيدلاني أن يثبت له صحة تشخيص الطبيب مع أفكار «غوغل»!تعتبر «الصيدلية» حرما آمنا لمن يدخلها من المستشيرين أو المرضى ممن لديهم وصفة طبيب بعد مراجعته! وللصيدلاني والطبيب المرسل لهذه الرسالة الطبية احترامهما، ولا علاقة لهما بصحة أو خطأ الملايين مما يبث وينشر على صفحات الإنترنت، كما أن الطرفين يتابعان الأخبار الطبية أولا بأول ويلاحقان التطور الصحي بالوقاية والعلاج حول العالم، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه المعلومات عند الجميع، ولا تخضع لامتحان أو تشخيص مهندس لنفسه، مثلا! وعلى رواد الصيدلية والعيادة احترام هذا الحرم والقائمين عليه، لمجتمع مثقف صحيا.* باحثة سموم ومعالجة بالتغذية