الانتقال الكبير التالي في إيران أقرب مما نظن
بعدما توجّه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس فإن على صانعي السياسات الأميركيين اليوم صب اهتمامهم على عملية انتقال أكثر أهمية في المستقبل القريب. ساءت صحة آية الله علي خامنئي، القائد الأعلى البالغ من العمر 77 سنة، وقد يموت في أي وقت، وعندما يحدث ذلك سيُضطر الجيل الجديد من نخبة الجمهورية الإسلامية إلى اختيار خلفه، ولا شك أن هذه العملية ستُثير خلافات كبيرة.تشكّل الانتخابات الإيرانية جزءاً من آلية تحكم اجتماعي مذهلة، وبخلاف نظام الشاه تدرك نخبة الجمهورية الإسلامية كيف تبدأ الثورات وما يحافظ على زخمها، وبالاستناد إلى خبرتها الشخصية وتجارب الأنظمة التوتاليتارية في القرن الحادي والعشرين صممت الحكومة في طهران نظاماً متطوراً يهدف إلى تدمير الروابط الاجتماعية التقليدية، وعزل المواطنين عن بعضهم، ورفع كلفة أي تحرك علني قد يقوّض النظام.ازداد نظام التحكم الاجتماعي هذا فاعلية مع تعزيز التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط مخاوف الإيرانيين الأمنية والاقتصادية إلى حد طغت معه على الرغبة في الديمقراطية، فعلى سبيل المثال صُوّر تنظيم "داعش" في إيران على أنه كيان وحشي تدعمه قوى غربية للتصدي لطهران وحلفائها الإقليميين، وفي الوقت عينه يخشى الإيرانيون أن تؤدي الانتفاضة الشعبية إلى نتائج قاتمة شبيهة بما يمر به عدد من دول الربيع العربي، ويخافون رد فعل مماثلاً لما اختبرته مصر، حيث رجع الحرس القديم إلى السلطة مع انقلاب ثوري مضاد وأعاد إرساء الجهاز القمعي السابق بقوة، أو لما تشهده سورية، حيث مات مئات الآلاف من المدنيين في الحرب الأهلية، وهذه المخاوف تحجب غياب الديمقراطية وسجل النظام الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
وسم انتصار روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2013 مقاربة جديدة اعتمدتها الطبقة الوسطى في المدن، التي سعت إلى إحداث تغييرات بسيطة من خلال الآلية التي قدمها النظام، وخصوصاً الانتخابات، وتعتبر هذه الشريحة من المجتمع الانتخابات وسيلة للحؤول دون ازدياد الوضع سوءاً، مع أن هؤلاء الناخبين يدركون جيداً أن الحكومة تتحكم بقوة في هذه العملية الانتخابية.يعاني النظام الإفلاس العقائدي، لذلك يزداد اعتماداً على الجيش، والأجهزة الأمنية، والوكالات الاستخباراتية، لكن اجتماع الإخفاق العقائدي وتنامي القوة القاسية ولّد مزاجاً جماعياً متناقضاً. صحيح أن كثيرين يمقتون النظام، إلا أنهم يرون فيه الضمان الوحيد الموثوق به في وجه تقلبات هذه المنطقة الكثيرة الاضطرابات. في الوقت عينه يتمتع المواطنون العاديون بحرية كبيرة في حياتهم الشخصية بفضل انتشار السوق السوداء والثقافات المخالفة لما هو سائد، لكن اللحظة الأكثر حرجاً في تاريخ إيران ستكون رحيل خامنئي. ستتبع التطورات عقب رحيل خامنئي على الأرجح واحداً من مسارَين: في الأول سيتولى حرس الثورة الإسلامية القوي مهمة تحديد خلفه، وستنجح فصائل الحرس الداخلية، التي يجهلها الشعب عموماً، في تشكيل إجماع صعب حول مَن سيشغل منصب القائد الأعلى تالياً. أما في الثاني فتخفق فصائل الحرس في الاتفاق، مما يؤدي، حسبما يُفترض، إلى تقاتلها علناً، وقد يؤدي هذا الاقتتال إلى فوضى تشل قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات أساسية.ينبغي أن تفهم الدول الغربية أن نظام ما بعد خامنئي لن يكون بالضرورة أكثر سهولة، ورغم ذلك تبقى المبادئ الأساسية ذاتها، صحيح أن الغرب يجب أن يحافظ على تعامله مع إيران، ولكن عليه القيام بذلك بطرق تتيح له مواصلة الضغط على النظام، فمهما كان الرجل الذي سيحكم البلد بعد خامنئي، فلن تكون إيران مستعدة للتفاوض بجدية ما لم تبرهن الولايات المتحدة وحلفاؤها أن تهديد مصالحهم يكلّف غالياً.*مهدي خلجي* «واشنطن بوست»