في ظل ما نواجه من تطورات تحتاج إلى نوعية خاصة من رجال الدولة والسياسة، أشعر برغبة في أن أكتب عن نماذج شخصيات قدمت الكثير للوطن فهماً وفعلاً، وقدمت الوطن ومصلحته على أهدافها الخاصة، وعندما نتحدث عن مثل هذه النماذج يأتي في مقدمة الذاكرة الدكتور أسامة الباز السياسي المصري البارز، رحمه الله، لا يمكن تسمية وظيفة محددة شغلها، ولكنه بذاته كان أشبه بوظيفة اسمها يحمل اسمه، من بين الأوصاف التي أذكرها دائما عنه، وقد كان قصير القامة، وصف بأنه وطني، قصير القامة لكنه كان عالي القيمة ومرتفع الهامة، أسامة الباز هو أحد الذين لمعوا في الحياة السياسية طوال أكثر من ثلاثة عقود، لم يلمع على المستوى الرسمي فحسب، وإنما على المستوى الشعبي أيضا.أسامة الباز كان أحد الأركان الرئيسة للنظام، كانت له آراؤه المستنيرة التي دعمتها سياسيا مواقفه السياسية وثقافته الوطنية، لم يعبأ كثيرا بالمسمى الوظيفي، فقد كانت أدواره تتعدى هذا المسمى بكثير معتمدا على عقليته المتميزة وحسه الوطني العالي.
أسامة الباز كانت له أدوار أساسية في كثير من القضايا والموضوعات في السياسة الخارجية وفي السياسة الداخلية، ارتبط بعلاقات متميزة مع كل الأطراف العربية على اختلاف توجهاتها السياسية وامتلك علاقات متميزة مع كل أطراف الصراع العربي الإسرائيلي، امتلك علاقات متميزة مع العديد من السياسيين في العالم، وأيضا كانت هناك جسور ممتدة بينه وبين كل أطراف الطيف السياسي المصري، وكان يحظى باحترام وتقدير كل هؤلاء، ولم يكتف بأن يقف عند الحدود الرسمية، بل كنت تجده في كل معارض الشباب من الفنانين، ومعارض الفنانين الكبار أيضا، كنت تجده يسير في شوارع الحسين يأكل ساندوتشات الفول والطعمية داخل أحد محلات وسط البلد، ثم يركب المترو مثل أي مواطن، بعد أن يكون شاهد فيلما في إحدى دور السينما، بسيط، متواضع، مؤثر، وطني، ظل يعمل ويقوم بكل الأدوار المنوطة به، يجهز لها ويجيد ترتيبها، ولم يسع إلى أن يخرج في دائرة الضوء، لم يحاول أن يقول أنا الذي فعلت هذا، قليل الكلام وكثير الفعل، أحد اللاعبين الأساسيين في المطبخ السياسي المصري، قناعته الرئيسة داخل المطبخ أن يظل بعيدا عن الأضواء، لم يسع أو يحارب لكي يخرج إلى دائرة الضوء، بل كانت الأضواء تسعى إليه، كانت مصر هي الأساس دائما بالنسبة إليه، ولم يسع أن يكون له دور على حساب المصلحة العامة، أو أن يخلق لنفسه تنظيما أو "شلة"، ولكنه كان دائما يضع الوطن قبل رغباته وأهدافه الشخصية، وفي كل هذا لم يكن يوما محتكرا ادعاء الفهم، بل كان يسمع جيداً، ولَم يكن محتكرا للرغبة في الظهور وإدارة الأشخاص.في هذا الوقت كم نفتقد بشدة أمثال أولئك الذين، مرة أخرى، يضعون الوطن ومصلحته قبل مصلحتهم، ويقدمون الوطن ومصلحته قبل مصلحتهم، ويقدمون الوطن على أنفسهم، ولا يتعاملون وكأنهم أكبر أو أهم من الوطن.رحم الله أسامة الباز، ورزقنا أمثاله وهدى غيره لكي يكونوا على شاكلته.
مقالات - اضافات
الذين قدموا الوطن على ذواتهم
27-05-2017