تضمّ «سلسلة ضعف» لعبد الله العمري مختارات من لوحات بورتريه نفّذها الفنان أخيراً، أعاد من خلالها تخيّل قادة العالم مثيري الجدل مجسّداً إياهم بهيئة رثة كأناس مدنيين مهجّرين. رسم الفنان لوحات البورتريه المتخيّلة تلك، باتّباع أسلوب مؤثّر من الواقعية. ورغم أنه استخدم هذا المنهج عادةً لتصوير شخصيات تستحق التعاطف، فإنه هذه المرة استقى أيضاً من الثقافة البصرية السياسية، خصوصاً في مجال استخدام صور ذات طابع البروباغندا كالملصقات السياسية واللافتات الدعائية. من ثم، بدلاً من إظهار هيبة أبطال لوحاته ذوي الوجوه المألوفة، جرّدهم العمري من مظاهر القوة كافة، والجاذبية والحق. عمل على تجسيدهم في لحظات من اليأس، متخلياً عن السمات البصرية التي تميّز الصور الرمزية الأوتوقراطية التقليدية.
تجارب شخصية
بداية، كان لتأثّر الفنان بتجاربه الشخصية في التهجير ومشاعر الغضب التي تتملّكه، الدافع الكبير في خلق هذه الأعمال، في الوقت الذي تستمرّ الأوضاع بالتدهور في وطنه الأم سورية. فبفضل افتتانه بالجانب الرومانسي لمفهوم الضعف والأثر الذي يمكن أن يخلّفه في النفس من خلال تجسيد مواضيع لأعماله، خلص العمري في نهاية المطاف إلى نتيجة مفادها أنّ مشاعر التعاطف ذات «طبيعة متناقضة»، حيث تحوّل هدفه أثناء تنفيذه السلسلة من التعبير عن حالة الغضب إلى رغبة مفعمة في تجريد شخصياته من أدواتها، ليصوّرها خارج مناصب السلطة. وهو يوضح في بيان مرافق مع العرض قائلاً: «أردت أن أجرّدهم من سلطتهم لا لغاية شخصية أو لتخفيف أملي الخاص، لكن لأعيد إلى أولئك القادة إنسانيتهم وأمنح المشاهد نظرة إلى مدى الأثر الذي يمكن للضعف أن يتركه في النفس».يلفتنا في المجموعة عمل يحمل عنوان «البحر الأبيض المتوسط»، فيه رسم العمري الرئيس السوري بشار الأسد على هيئة لاجئ مصاب بحالة من الذهول وهو مغمور جزئياً بالماء ومحاط بأمواج البحر العاتية، وتظهر فوقه السماء ملبدة بالغيوم.ضمن العمل، يبدو الأسد مرتبكاً وهو يحدق في البعيد، باتجاه المشاهد، كما لو أنه غير قادر على استيعاب ظروفه تلك. إذا كان ردّ الفعل الأولي لدى المشاهد يتجسّد بمشاعر التعاطف تجاهه، فإن الشخص موضوع العمل يؤدي إلى تعقيد هذا اللقاء، ما يثري عدداً من الأسئلة الحرجة. بالنسبة إلى الفنان، لحظة الهشاشة تلك تذكّرنا بمعضلتنا الجامعة، مهما اختلفت ميولنا وولاءاتنا.لمحة عن الفنان
انطلقت مسيرة عبد الله العمري الفنية في دمشق بعد فترة قصيرة من اندلاع الصراع في سورية، وتعبّر أعماله الأخيرة عن تجارب المدنيين، خصوصاً الأطفال الذين يقعون ضحية تجاذبات الحرب. يقيم الفنان اليوم في بلجيكا حيث بدأ بالعمل على «سلسلة ضعف»، ويعمل أيضاً في مجال فن الفيديو وفن الأداء. تخرّج في جامعة دمشق، وحصل على شهادة في الأدب الإنكليزي في وقت كان فيه أيضاً يتلقى تعليمه الفني في معهد أدهم إسماعيل للفنون البصرية. عمل في وقت لاحق مع الفنانين السوريين البارزين غسان سباعي وفؤاد دحدوح. أعماله محتضنة في مجموعة مؤسسة «برجيل للفنون»، الإمارات العربية المتحدة، وغاليري كامل، سورية، وزارة الثقافة السورية، بالإضافة إلى مجموعات أخرى حول العالم. من ضمن المعارض التي شارك فيها الفنان أخيراً، معهد العالم العربي، مركز سرتومبيك للثقافة، بلجيكا (2017)، غاليريNW ، المملكة المتحدة (2015)، وغاليري كوزا، لبنان (2014)، وبينالي برلين (2012).