حذيفة بن اليمان... صاحب سر رسول الله
هو حذيفة بن اليمان بن جابر بن عمرو بن ربيعة، كان يكنَّى أبا عبدالله، دخل هو وأبوه في دين الإسلام، جمعا الهجرة مع النصرة، والغزوة الوحيدة التي لم يتشاركا فيها كانت بدراً، أخذ المشركون عليهما عهداً أن ينصرفا إلى المدينة، ولا يقاتلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفذ لهما النبي الكريم عهدهما.شارك حذيفة وأبوه في غزوة أحد، وأثناء القتال، نظر حذيفة إلى أبيه فرأه وهو تتناوشه سيوف المسلمين ظناً منهم أنه من المشركين، فنادى: أي عباد الله، أبي، فلم يفهموا قوله، وما احتجزوا حتى قتلوه، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، وانطلق يؤدي واجبه، وتنتهي المعركة، وعلم النبي بالخبر فأمر بالدية عن والد حذيفة، ولكنه يتصدق بها على المسلمين، فيزداد الرسول حباً له وتقديراً.
وله منقبة عظيمة فهو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي حذيفة فيقول: بينما النبي صلى الله عليه وسلم سائر إلى تبوك نزل عن راحلته ليوحى إليه وأناخها النبي فنهضت الناقة تجر زمامها منطلقة، حتى لقيها حذيفة بن اليمان فأخذ بزمامها يقودها، حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فأناخها، ثم جلس عندها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: من هذا؟ فقال: حذيفة بن اليمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني مسر إليك سراً لا تحدثن به أحداً أبداً، إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان: (رهط ذوي عدد من المنافقين)، فلم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرهم لأحد غير حذيفة بن اليمان، فلما تٌوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان حذيفة يقول: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون.ولما استخلف عمر رضي الله عنه، كان إذا مات الرجل ممن يظن عمر أنه من أولئك الرهط المنافقين، الذين أبلغ عنهم النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة، أخذ بيده فقاده، فإن مشى معه صلى عليه، وأن انتزع حذيفة يده فأبى أن يمشي، انصرف عنه، ويأمر من يصلي عليه.روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر بن الخطاب، وروى له الجماعة، وحدث بعض الصحابة وخلق سواهم، وفي كتابه: "أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد" وضعه ابن حزم الأندلسي رقم سابع عشر (17) في المكثرين من أصحاب المئتين، وذكر أنه روى مائتين وخسمين حديثاً، وفي سير أعلام النبلاء قال الحافظ الذهبي: له في الصحيحين اثنا عشر حديثاً، وفي البخاري ثمانية، وفي مسلم سبعة عشر حديثاً.وكان رضي الله عنه يحب العزلة ويقول: لوددت أن لي مَنْ يصلي من مالي، وأغلق بابي فلا يدخل عليَّ أحد، ولا أخرج إليهم حتى ألحق بالله، ولمّا نزل بحذيفة الموت دخل عليه بعض أصحابه فسألهم: أجئتم معكم بأكفان؟، قالوا: نعم، قال: أرونيها، فوجدها جديدة فارهة، فابتسم وقال لهم: ما هذا لي بكفن، إنما يكفني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فإني لن أترك في القبر إلا قليلاً، حتى أبدل خيراً منهما، أو شراً منهما، ثم تمتم بكلمات: مرحباً بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم، وأسلم الروح الطاهرة لبارئها ولم يكن قد مضى على مقتل عثمان بن عفان أربعون ليلة.