«فنّ الأرض» في راشانا اللبنانية... عندما يلتحم الفنان بالطبيعة من دون قيد
تكتسب بلدة راشانا اللبنانية أهميتها من جمالها الطبيعي الذي يحتضن تماثيل ومنحوتات أبدعها الإخوة بصبوص وسكبوا فيها أحاسيسهم، ناشرين اسم مسقط رأسهم في أنحاء العالم. بين الأول والثامن من يوليو المقبل تحتضن البلدة مهرجان «فن الأرض»، من تنظيم «مؤسسة راشانا الثقافية».
تشكِّل بلدة راشانا اللبنانية غابة منحوتات، الضجيج فيها ينساب إلى الأسماع في رقة يصنعها الإزميل، فيولد من روح الحجر والخشب والحديد والبرونز فن ينشر رائحته في فضاء مفتوح لكل مهتم بالطبيعة والجمال. في النحت لا منافس لراشانا، والفضل يعود إلى الأخوة بصبوص ميشال وألفرد ويوسف وأبنائهم من بعدهم، إذ زرعوها بمنحوتات توزّعت بين الحدائق المفتوحة والصالات.تقيم مؤسسة راشانا الثقافية «مهرجان الأرض» بين ربوع البلدة بمشاركة طلاب الجامعات في لبنان: اللبنانية، واللبنانية الأميركية، والأميركية، والأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، وسيدة اللويزة، والروح القدس – الكسليك، بإشراف الفنان البريطاني ريتشارد شيلينغ.
جاء الإعلان عن المهرجان ضمن احتفال رعاه وزيرا الخارجية والمغتربين في لبنان جبران باسيل والثقافة غطاس خوري ممثلاً بالمهندس روجيه خوري. في المناسبة، أبدى رئيس «مؤسسة راشانا الثقافية» وسيم عبدالله فخره «ببلدته الفريدة التي أرادها الأخوة بصبوص، ميشال وألفرد ويوسف، متحفاً في الهواء الطلق بين البيوت القديمة، والطبيعة الجميلة والمنحوتات المزروعة في كل أرجاء الضيعة».من جهته، أشار عضو المؤسسة أناشار بصبوص إلى أن «راشانا مرة أخرى، تصنع الحدث، فإرادة الإجيال السابقة جعلتها في صلب النهضة الثقافية والفنية منذ خمسينيات القرن الماضي. أما اليوم، فنحن نقف في مسرح من نوع آخر في زمن آخر، مسرح يطلق شرارة جديدة، يبني مدماكاً آخر في مشروع راشانا». أضاف: «إنه مسرح أبطاله جامعيون ينطلقون في طبيعة راشانا، ويبحثون، ويتساءلون، فيضعون حجراً أساساً لطريقة جديدة للتعبير عن الذات، اسمها فن الأرض وفيها تستعمل المواد الموجودة في الطبيعة والأرض. وسينجح طلابنا في تحويل هذا الحدث الى منصة تفكير وبحث في الفنون والبيئة والإضاءة على جمالية وشاعرية المكان والطبيعة. سينجزون أعمالاً لن تكون نحتاً، ولا رسماً، ولا شعراً ولا موسيقى، بل ذلك كله معاً. بعد الثامن من يوليو سيكون لمنحوتات راشانا رفاق جدد ينتظرون سوياً قدوم الزوار محبي الفن والطبيعة».من جهتها قالت، ريتا سمرا صابر ممثلة وزير الإعلام ملحم رياشي: «لنشارك في إطلاق أول نشاط ثقافي فني لمؤسسة راشانا الثقافية. هذا الحدث الذي انتظرناه منذ سنوات في بلدة راشانا، غابة منحوتات آل بصبوص». أضافت: «أبناء هذه البلدة حولوها إلى تحفة فنية من خلال أعمال النحت التي أبدعوا في صياغتها على مدى 50 عاماً حتى غدت ملتقى فناني النحت في لبنان والعالم. واليوم، هذه المؤسسة رئيساً وأعضاء، التي أنجزت مشاريع تنموية عدة، برهنت عن نجاح المبادرة الفردية منذ تأسيسها عام 2013 وبفترة زمنية قصيرة».
مفهوم جديد
«المشروع يتميز بالابتكار والتجدد ويدخل مفهوماً جديداً إلى عالم الفن. فالثروة الحقيقية لبلدة راشانا تكمن في طابعها الفني الثقافي، وأبناؤها هم بنيتها التحتية الصلبة. من هنا، قررت المؤسسة القيام بهذا المشروع الذي يشبه عصرنا ومستقبلنا الواعد»، كما قالت ريتا سمرا صابر. واللافت أن «فن الأرض» مفهوم جديد يعني أن يلتحم الفنان بالطبيعة من دون أي قيد، بل يلتزم قوانينها فحسب.المهندس روجيه خوري، ممثلاً الوزير غطاس خوري، لفت إلى أنه «لا يمكن أن نتذكر البلدة الوادعة راشانا من دون أن نتذكر الأخوة بصبوص بضجيج المطرقة والإزميل، وإيقاع موسيقي ينتج تماثيل مبدعة، تمثِّل أحلام ورؤى عائلة بصبوص، حتى أصبحت راشانا معهم مكاناً للفن والإبداع. هذا هو لبنان، وهؤلاء هم أبناؤه يتوجهم الإبداع والفن الأصيل».وزير الخارجية جبران باسيل من جهته، اعتبر أن «راشانا ليست ذكرى جميلة وأصدقاء ومكاناً نشأنا فيه ولعبنا في ربوعه فحسب، إنما هي مصدر فرح واسم يكبر به القلب عندما نتكلم عنه. وعندما نزورها ندرك أن في لبنان قدرات للفن والإبداع لا تزول. صحيح أننا أمام عمل فني معرّض للزوال، ولكن الفنّ يبقى في الذكرى والصوت والصورة».تابع: «عندما يحبّ الإنسان بلدته ووطنه يبذل كل ما في وسعه للحفاظ عليهما، لذلك نحن مجبرون على الوقوف إلى جانبكم وتقديم الدعم لكم لإنجاح هذا المشروع الذي من خلاله تحافظون على إرث كبير أنتم مؤتمنون عليه. وإذا حافظ كل فرد منا على الإرث المؤتمن عليه بحجر واحد ورثه فيعيد ترميمه، فهو بذلك يحيي تاريخ الآباء والأجداد والمراحل التي عاشها لبنان، ونحن مؤتمنون للحفاظ عليها ومتابعتها».وختم: «أقل ما يمكن أن نقوم به أن نكون معكم فنكون مع ذاتنا أيضاً، ومع تاريخنا ومستقبل أبنائنا من خلال هذا العمل الذي يحمل الأمل، فهذا هو شباب لبنان، وهذا الإبداع الجميل وهو الباقي الذي لا يزول».
الأخوة بصبوص زرعوا راشانا بمنحوتات توزّعت بين الحدائق والصالات